شراء المسروقات خيانة للأمانة وموالاة للظالم
في زمن تعالت فيه الشكوى من السرقة وانتشر اللصوص حتى باتوا يهددون أمن الناس وأموالهم، يتساهل البعض في أمر لا يقل خطرا عن السرقة نفسها، وهو شراء المسروقات. والغريب في الأمر، أن كثيرا من هؤلاء المشترين للمسروقات لا يرون في أنفسهم جرما، ظنا منهم أن يدهم "لم تمتد" إلى المال الحرام، وأنهم فقط "اشتروا" بسعر أرخص!
لكن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون: أن من اشترى المسروق فقد شارك في السرقة، وكان عونا للسارق على جرمه، وشريكا له في الإثم والعار.
لقد حرّم الإسلام السرقة تحريما قاطعا، وشرع لها عقوبة شديدة تصل إلى قطع اليد، لما فيها من هدم لأمن المجتمع، واعتداء صارخ على أموال الناس وحقوقهم؛ قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ﴾.
فهل يُعقل أن تُعاقب يد السارق، ويُكافأ من يُعينه على تصريف مسروقاته ويُسكت عنه؟
قال النبي ﷺ: «من اشترى سرقة، وهو يعلم أنها سرقة؛ فقد شرك في عارها»؛ فلا عذر لمن عرف أن ما يشتريه مسروق، أو غلب على ظنه ذلك، ثم تهاون بحجج واهية مثل: "أنا ما سرقت!" أو "لا دخل لي!" أو "غرضي فقط الاستفادة!"؛ بل إن مجرد السكوت عن السارق، وشراء المسروق منه، هو تشجيع له، وتحفيز للاستمرار، لأنه ما سرق إلا ليبيع! ولو لم يجد من يشتري، لما تجرّأ على السرقة.
وليس ذلك فحسب؛ بل المال المسروق يبقى ملكا لصاحبه الأصلي، حتى لو دُفع فيه ثمن، ولو انتقل بين الأيدي. قال ﷺ: «إذا سُرق من الرجل متاعٌ، أو ضاع له متاعٌ، فوجدَه بعينه عند رجل؛ فهو أحقُّ به، ويرجع المشتري على البائع بالثمن».
بل أجمع العلماء على أن بيع المسروق باطل لا يصح؛ لأن السارق لا يملك ما يبيعه، ومن شروط البيع في الإسلام أن يكون البائع مالكا للمبيع أو مأذونا له فيه.
إن شراء المسروقات له عواقب سيئة كثرة! منها:
- الإثم الشرعي؛ إذ تشارك السارق في إثمه وعدوانه، وتُعد ظالما مثله.
- ضياع الحقوق؛ إذ تساعد في إخفاء المسروق عن صاحبه الحقيقي.
- تشجيع الجريمة؛ إذ تسهم في استمرار سلسلة السرقة والخراب.
- فقدان البركة؛ لأن المال الحرام لا بركة فيه ولا يُقبل عند الله.
- الاحتقار الاجتماعي؛ إذ يُنظر إلى مشتري المسروقات كمن يرضى بالخيانة ويعيش على أذية الآخرين.
- العقوبة القانونية والتعزيرية؛ إذ يُعرض نفسه للمساءلة الشرعية والقانونية؛ بل نصّ العلماء على أن من يشتري المسروق يعزَّر بحسب المصلحة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "من اشترى متاعا وهو يعلم أنه مسروق، فقد شارك السارق في إثمه، ويعزر بما يراه الإمام من العقوبة".
وهناك حالتان فقط استثناهما العلماء قليلة ومحددة، في جواز شراء المسروق، وهما:
- إذا كان المشتري هو المالك الأصلي، وسُرق منه المال، ولم يجد وسيلة لاسترداده إلا بشرائه.
- إذا اشترى المال ليرده إلى صاحبه الأصلي، بنية تخليصه من يد السارق؛ فهذا مأجور على نيته.
ومسؤوليتك وواجبك كمسلم:
- أن لا تشترِ مسروقات، حتى وإن كانت مغرية السعر.
- البلاغ عن البائع المشتبه به، والمساهمة في رد الحقوق إلى أصحابها.
- وتحريض الناس على مقاطعة من يبيع أو يشتري المسروقات.
- وصنع رأيا عاما يجرّم الظاهرة، ويجعل من مرتكبيها منبوذين في المجتمع.
كل ذلك لأن النبي ﷺ قال: «من رأى منكم منكرا فليغيره».
وبعض الناس يستهين بشراء ما سُرق من المال العام –كالكهرباء، والمؤسسات الحكومية، والمساعدات– بحجة أنها "ليست ملكا لأحد"! وهذا جهلٌ خطير! لأن المال العام ملك لجميع المسلمين، والاعتداء عليه اعتداء على الأمة بأكملها، وقد قال النبي ﷺ: «إن رجالًا يتخوّضون في مال الله بغير حق، فلهم النار» ومال الله هو المال العام.
والخلاصة:
- لا تكن لصا بالوكالة، وشريكا في الجريمة.
- امتنع عن شراء المسروقات، وساهم في وقف هذه الظاهرة المخزية.
- وكن عونا للحق، لا ظهيرا للباطل؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.
وختاما؛ من وقع في ذلك فليبادر إلى ردّ الحقوق والتوبة؛ فباب الله مفتوح، والله رحيم غفور، يقبل التائبين ويُبدّل سيئاتهم حسنات.
والله الموفق! ودمتم سالمين!