رحيل الدكتور وائل مصطفى شكري يطفئ قنديل العلم ويكسر ظهر الحلم

يا للهول… أي فاجعة هذه التي هوت على قلوبنا فجأة؟ أي غصة هذه التي خنقت صدورنا بلا إنذار؟ استيقظت الصبيحة اليوم على نبأ، لو كان للحزن صوت لصرخ به حتى تصدعت الجبال… رحل الدكتور وائل مصطفى شكري، نائب رئيس جامعة لحج لشؤون الطلاب، رجل العلم والهيبة والخلق، رحل بلا موعد، تاركا خلفه فراغا لن تملأه السنون، وألما لا يندمل مهما مرت الأيام.

لقد كان الدكتور وائل شجرة باسقة في بستان الصبيحة، يظلل الجميع بعلمه، ويمنحهم من قلبه قبل عقله، كان حاضرا في كل فرحة، وسندا في كل محنة، وصوتا للحق ،رحيله كان زلزالا هز أركان التعليم والإنسانية في لحج والصبيحة واليمن بأسرها ،الدموع اليوم لا تكفي، والكلمات تقف عاجزة أمام هول الفقد، جموع غفيرة شيعته، والأكف مرفوعة إلى السماء، والقلوب ترتجف من شدة الحزن:اللهم ارحمه رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناتك، واجعل ما قدمه للعلم والطلاب شفيعا له يوم يلقاك، وثبت أهله ومحبيه على الصبر.

أيها الراحل العزيز… كيف سنعتاد على قاعات الجامعة بلا خطاك؟ كيف ستعقد الاجتماعات دون صوتك الحازم ونصيحتك الصادقة؟ كيف سنقنع أنفسنا أن باب مكتبك الذي كان مفتوحا للجميع قد أغلق إلى الأبد؟

لقد كنت أبا قبل أن تكون مسؤولًا، وصديقا قبل أن تكون قياديا، وملاذا للطلاب قبل أن تكون نائبا. كنت تحمل همهم كأنه همك، وتقاتل لأجل مستقبلهم كأنك تقاتل من أجل أبنائك.
رحلت، يا وائل، لكن سيرتك ستبقى منارة، وذكرك سيظل طريا على الألسنة، وسطور حياتك ستروى للأجيال القادمة باعتزاز وفخر.
آه… ما أصعب أن نودعك بهذه العجالة، وما أقسى أن يرحل الكبار وهم في عز عطائهم، عزاؤنا أنك تركت إرثا من القيم والمواقف والمبادئ، وأن الله أكرمك بخاتمة ترجوك بها قلوب الملايين.

اليوم، انكسرت قلوب الصبيحة، وارتجفت حروف الرثاء في حناجرنا، ورحلت من بيننا قامة علمية وإنسانية لا تتكرر… غادر الدنيا على عجل، في حادث مروري مروع، تاركا وراءه فراغا لا يسد، وجرحا في الذاكرة لا يندمل.

آه… ثم آه… ما أشد وطأة الأقدار حين تطوي الصفحات فجأة، وما أقسى وقع النبأ حين يأتيك على غير ميعاد، ليخبرك أن من كنت تراهن عليه في بناء الغد قد رحل بلا استئذان، لقد صعقنا جميعا ونحن نسمع أن وائل شكري، الذي كان يفتح أبواب الجامعة والقلوب للطلاب، قد أغلق عليه باب الحياة.

اليوم، ذرفت العيون دموعا حارة، وانحنت الهامات احتراما ووجعا. هذا الرجل الذي كان يضيء وجوه من حوله بابتسامته، ويزرع الأمل في قلوبهم بكلماته، كانت لديه أحلام كثيرة، لكن قدرة الله سبقت تلك الأحلام.

في عيد ميلاده الخمسين، كان وائل يقول:اليوم أطفئ شمعة أخرى من عمري، لكنني أشعل ألف حلم، وألف أمنية، ولدتني أم عظيمة، وابتسم لقدومي أب عظيم، اللهم لك الحمد فيما مضى من الحياة ووفقنا لما بقي.
 لم يكن يدري أن الشمعة التي أطفأها ستأخذ معها نوره كله، وأننا سنبقى نبحث عن وهجه في ظلمة الحزن.
يا وائل… لن ننساك. ستبقى مواقفك وأخلاقك وابتسامتك حاضرة في وجداننا ،رحلت جسدا، لكنك تركت أثرا لا يمحوه الزمن، وسيرة عطرة ستروى للأجيال.

رحمك الله، وجعل مثواك الجنة، ورفع درجتك كما رفعت راية التعليم، وألهم ذويك ومحبيك الصبر والسلوان، لقد رحلت جسدا، لكنك ستبقى خالدا في القلوب، ما بقيت الصبيحة تتنفس المجد.