الإمارات.. وخيانة الإخوان في معركة تحرير اليمن من أدوات إيران الحوثية
من يراقب الخطاب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين، يظن للوهلة الأولى أن دولة الإمارات العربية المتحدة جاءت إلى اليمن لا شريكًا في معركة استعادة الدولة، بل قوة احتلال تسعى للنهب والتقسيم والانتهاك. لكن هذه الصورة التي يُراد لها أن تُرسَّخ، تسقط سريعًا أمام واقع الأحداث وسجل المواقف.
الإمارات لم تأتِ إلى اليمن من تلقاء نفسها، بل استجابة لنداء شرعية الرئيس هادي، ضمن عملية "عاصفة الحزم"، بقيادة المملكة العربية السعودية، في لحظة كانت فيها مؤسسات الدولة اليمنية تتهاوى تحت ضربات الحوثيين. وفي تلك اللحظة الحرجة، كانت جماعة الإخوان – عبر حزب الإصلاح – هي من يهيمن على قرار الشرعية. ومع ذلك، تعاملت الإمارات مع الجميع بسواسية، وقدّمت دعمًا سخيًا لحكومة الرئيس هادي، ولم تضع أي فيتو على أحد، بما في ذلك الإخوان أنفسهم.
لقد ضخت الإمارات المال والسلاح، وقدّمت التسهيلات اللوجستية، وسلّحت الجبهات، وساندت القيادات العسكرية – كثير منها محسوب على الإصلاح – على أمل أن تنهض هذه القوى بمسؤوليتها في تحرير البلاد. لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن سوى سلسلة من الخيبات.
ففي الوقت الذي كانت فيه الإمارات ترسل جنودها وتدفع بعتادها العسكري وتتحمل الكلفة السياسية والأمنية لمشاركتها في التحالف، كانت قيادات الإخوان تفرّغ المعركة من مضمونها، وتسلم الجبهات تباعًا للحوثيين، بل وتحوّل مسار المعركة من الشمال إلى الجنوب.
وهنا بدأت الإمارات في مراجعة موقفها. لم يكن الأمر خصومة مع "الإصلاح" أو انحيازًا لطرف دون آخر، بل كان تصحيحًا للمسار. أدركت الإمارات أن من لا يريد تحرير أرضه، لا يستحق أن يُدعم. وأن من يترك صنعاء ومأرب والجوف للحوثي، ثم يوجّه بوصلته نحو عدن ولحج وشبوة، ليس حليفًا بل خنجرًا مسمومًا في الخاصرة.
في الجنوب، رأت الإمارات مقاومة صادقة، وقوى شعبية واجهت الحوثي من أول طلقة، ورفضت الاستسلام، وثبّتت أقدامها على الأرض. وهناك وضعت الإمارات ثقلها، وبدأت شراكة نزيهة مع من يقاتلون بصدق، بغض النظر عن انتماءاتهم أو شعاراتهم.
يُقال اليوم إن الإمارات دعمت "الانفصاليين"، وإنها "خذلت" جيش الإصلاح، لكن الحقيقة أن الإمارات لم تغيّر موقفها إلا بعد أن تغيّرت الحقائق على الأرض. لم تدعم "الانفصال"، بل دعمت من يدافع عن نفسه ويقاتل من أجل بقاء اليمن ضمن المعركة العربية ضد إيران. لم تخذل أحدًا، بل خُذلت من أولئك الذين قبضوا المال والسلاح ثم باعوا الجبهات.
الإمارات لم تأتِ إلى اليمن لتقسيمه، بل جُرَّت إلى هذه النتيجة حين تخلّى من يفترض أنهم حلفاء عن مسؤولياتهم. من ذهب إلى إسطنبول وترك أرضه وشعبه للحوثي، لا يحق له أن يتحدث عن "خذلان"، ومن قاتل بالأقلام في فنادق الخارج لا يحق له أن يُزايد على من قاتل بالسلاح في الميدان.
اليوم، ورغم كل الحملات الإعلامية الموجّهة ضدها، ما تزال الإمارات حاضرة في المشهد اليمني، لا كمحتل، بل كشريك تنموي فعّال، يسد فراغات الدولة المنهارة، ويدعم القطاعات الخدمية، ويعيد تأهيل المدارس والمستشفيات، في وقت تتفرّغ فيه "الشرعية" لمعارك سياسية عبثية ومناكفات إعلامية لا تنقذ شعبًا ولا تحرر أرضًا.
إن المعركة مع الحوثي أكبر من أن تُختزل في شعارات، وأعمق من أن تُدار من الخارج، ومن لا يرى في الإمارات إلا "شماعة" لتبرير الفشل، فليُراجع تاريخه أولًا.