في تعز العيد لم يعد عيدًا بل صار امتحاناً.
بقلم: موسى المليكي.
أولياء الأمور وهم يسيرون في الأزقة أو يتصفحون أسعار المعروضات من خلف الزجاج لا يخفون ضيقهم بل يهمسون بالدعاء على حكومةٍ يرونها مصدر كل ألم وينسبون إليها كل ما حلّ بهم من فقرٍ وانكسار.
صارت دعواتهم لا تبدأ إلا بلعنة على هذه الطبقة المتنفذة التي أدارت ظهرها لشعبٍ يتلوى من الجوع وأغرقته في الهموم حتى لم يعد هناك متسع للحلم ولا فسحة للفرح.
في تعز العيد لم يعد عيدًا بل صار امتحانًا للكرامة وعبورًا صعبًا من بوابة الحاجة.
هنا لا تُقاس العظمة بكثرة ما نملك بل بقدرتنا على إخفاء الدموع أمام أطفالنا وابتكار طرقٍ ملتوية لنقنعهم أن العيد لا يعني الثوب الجديد ولا المائدة العامرة بل يكفي أن نكون معًا.
لكن الحقيقة المُرّة أنهم كبروا قبل أوانهم وفهموا أن أعيادهم لم تعد تشبه أعياد الآخرين.
وفي ظل هذا المشهد البائس لا يملك المواطن البسيط سوى أن يُلقي بحلمه في مهبّ السماء يدعو ربَّه أن يُبدّل حالنا ويأخذ ممن ظلموا وسرقوا وتمادوا.
فهل يأتي العيد القادم وقد تبدلت الأحوال؟ أم أننا سنظل نعدّ السنوات بانتظار معجزةٍ تغيّر هذا الواقع المُرّ؟
الغلاء تتجاذب أولياء الأمور في تعز هذه الأيام همومٌ أثقل من أن تُحتمل وتتقاسم أرواحهم شواغل العيد ما بين أمنية كسوة بسيطة لأطفالهم وأمل بلحمةٍ يلتئم حولها شمل الأسرة على مائدةٍ فقدت البهجة وافتقدت طعم الفرح.
لقد بات الحديث عن العيد ليس وعدًا بالفرح بل تمرينًا مؤلمًا على ضبط مشاعر الخذلان.
في كل بيت، قصةٌ تختصر وجع المدينة وفي كل قلبٍ أبٍ أو أم تنهيدةٌ مكتومة لا يسمعها أحد.
يطالع الأبوان وجوه أطفالهم وبدل أن يرتسم العيد في عيونهم يرون فيها أسئلة لا يملكون لها جوابًا وأحلامًا صغيرة باتت عصيّة المنال.
أي عيد هذا وهم عاجزون حتى عن شراء قطعة ثوبٍ جديدة أو توفير لحمةٍ تعيد للبيت طقس البهجة الذي غاب؟
الأسواق تضج بالبضائع لكن الجيوب خاوية والقلوب تغلي من الحسرة.الأسعار كأنها تتسابق في الجموح والراتب إن وُجد بات ظلًا هزيلًا لا يقوى على مواجهة الحاجة.لقد تحول العيد من موسمٍ للفرح إلى مرآةٍ تعكس حجم الفقر المتوحش وكمّ التناقض بين رفاه القلة وبؤس الكثرة الساحقة.