إجراء فوق العادة
لطالما أكدنا أن الفساد هو الثقب الأسود الذي يبتلع مقدرات الوطن، ويضاعف من معاناة المواطنين، ويقف وراء حالة الفقر والتدهور الاقتصادي. وتأتي وزارة الخارجية في مقدمة المؤسسات التي تشهد مستويات مقلقة من هذا الفساد.
لقد تحولت بعض السفارات إلى عبء ثقيل على الدولة، حيث انشغل كثير من السفراء في أنشطة لا علاقة لها بمهامهم الدبلوماسية، كالاستثمار في العقارات والبورصات وأعمال مشبوهة مرتبطة بغسيل الأموال. والأسوأ أن بعضهم يمكث في بلدان الاعتماد أشهراً دون أن يقوم بأي نشاط فعّال، في ظل غياب اتفاقيات أو شراكات أو بروتوكولات تخدم مصالح الوطن والمواطن.
ولم يعد خافياً أن عدداً من سفرائنا يمارسون دوراً أقرب إلى "المستشارين" لدى تلك الدول، يقدمون لها البيانات والمعلومات، بينما يفتقد بلدهم لأي مردود إيجابي من وجودهم. كما أن التوسع غير المبرر في عدد السفارات والقنصليات انعكس بدوره على تضخم النفقات العامة، ليزيد من أعباء الدولة التي تعاني أصلاً من أزمة اقتصادية خانقة.
ومع الخطوات الجادة التي اتخذتها الحكومة الجديدة في إنعاش الاقتصاد وبث الأمل في نفوس المواطنين، بات من الضروري أن تطال هذه الإجراءات الإصلاحية وزارة الخارجية، عبر مراجعة شاملة لهيكلها، وتقليص حجمها إلى الحد الأدنى المطلوب، وإعادة تقييم أداء سفرائها وموظفيها.
إن إصلاح هذه الوزارة لم يعد ترفاً، بل ضرورة وطنية ملحّة، حتى لا تبقى ثقباً أسود يبتلع الموارد دون جدوى، ويضاعف من معاناة شعب يستحق أن يُمثَّل خارجياً بصدق وكفاءة.