جمانة جمال... موهبة يمنية تخترق الحدود وتضيء الأفق

في زمن يعاني فيه اليمني من ضيق الحياة وقسوة ومرارة الواقع، ومن زيادة طول أمد الحرب، وكثرة الاقتتال والتنافر والاقصاء، يخرج إلينا من وسط الركام مواهب تثبت محلية خارقة للعادة، حملت شعار أن الإبداع لا يعرف حدودًا ولا منطقة، وأن الفن لا يدفن مهما ضاقت المساحة وزادت سعير الحرب الأهلية. 
 
من النوادر أن أكتب في الأمور الفنية بكافة ألوانها وأنواعها في مقالاتي، لكن ما دعاني للكتابة هو أغنية "صحاك الشوق" التي أطلقها الفنان فضل شاكر مؤخرًا والتي لاقت نجاحًا عربيًا عريض، ليست مجرد عمل فني ناعم عبر الأثير، بل هي قصيدة حب يمنية خالصة، كتبت كلماتها ولحنتها الشابة اليمنية جمانة جمال ابنة هذا الوطن المنهك المنهك.

الأغنية انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل والقنوات الفضائية، وأعاد الجمهور العربي اكتشاف صوت فضل شاكر المليء بالشجن بعد انقطاع، لكن هذا لا يهمنا بقدر ما يهمنا إن خلف هذا النجاح الكبير ومن خلف كواليسه كانت هناك أنامل فتاة يمنية شابة هي من خطت هذا الجمال المبهر،  
"جمانة" التي كتبت لكاظم الساهر، ولحنت لأصالة وعبدالله الرويشد ونوال الكويتية، لم تكن بحاجة إلى أضواء، بل إلى وطنٍ يشعر بها، وطن يفتخر بها قبل أن تفخر بها المسارح العربية، من المحزن أن العالم العربي يعلم عنها ولا يعلم عنها اليمني "ابن بلدها"!! وعلى شاكلة جمانة آلاف الشباب اليمنيين الذي غادروا وتركوا البلد حينما لم يحدون مكانًا يستوعبهم وارض خصبة يغرسون فيها مواهبهم ونماء أحلامهم.

السؤال المؤلم هنا كيف لبلد لا يستطيع أن يوفر وظيفة لهؤلاء العقول المحلية "الطفرة" وظائف وانشاء مؤسسات لهم، وصرف حافز شهري تشجيعي  من "كشوفات الاعائشة" سيئة السمعة، ولو بالحد الأدنى مبلغ بسيط.

في بلد لا يوجد فيه مركز واحد يعنى بالمواهب الشابة بشتى المجالات، ليس بالضرورة معاهد وجامعات بالموسيقى وحدها حتى لا يتبرم مني الملتزمون "المحافظون" بل بكافة الأصعدة والتخصصات.
 الفن والإبداع أظهر وأخرج لنا جمانة جمال من عزلتها ولكن من النافذة العربية وليس من النافذة اليمنية، لكنها حملت اليمن معها إلى فضاءات الفن العربي الراقي، الآن لو سألت ملايين اليمنيين قبل كتابة المقال، هل سمعتم  بظاهرة يمنية اسمها  "جمانة جمال"؟! أجزم بأن الملايين لاتعلم عنها شيء!

المفارقة المؤلمة أن هناك هناك دول "جارة" تهرول لاحتضان المبدع ولو كان من غير بلدها حتى لوكان "خبازًا" أو راعي "إبل"، ونحن نخذله ونبخسه ونهمشه بل والله بلغ بنها الحال إلى محاربته حتى لايكون هناك أحدًا أعلى منا، ولو كان مرشحًا للنجومية العالمية، 
فلاحكومات أفادت ولا إعلام يحتفي ويظهر ويشيد، ولا نقابات تتابع وتدافع،   
فقط الجمهور المغترب هو الداعم ابتداءً بالرياضة والفن والثقافة وانتهاء بالمشاريع التنموية، بالإضافة إلى منصات التواصل التي تقوم بجزء تطوعي لتشجيع المبدع اليمني وإظهاره للعالم، لذلك أتمنى أن نرى اليمن عاليًا بين الأمم، وأن يعمل ويسعى المسؤول في خدمة أهله ومجتمه ويعود اليمن إلى سابق ألقه.