البطاطس.. غذاء الفقير ومرآة فوضى الأسواق في أبين
في زمنٍ أصبحت فيه الفواكه والخضار من الكماليات البعيدة المنال، لم يعد أمام معظم سكان اليمن عموما، ومحافظة أبين خصوصا، سوى البطاطس لتكون الوجبة الأساسية على موائد أسرهم. فبينما تحولت الطماطم، التفاح، الموز، وحتى الأسماك إلى أحلام بعيدة، ظلّت البطاطس الملجأ الأخير للغني والفقير على حد سواء.
ورغم أن تعافي العملة مؤخرا خفّض أسعار بعض السلع في مختلف المناطق، إلا أن محافظة أبين شهدت مفارقة مؤلمة؛ إذ عاد سعر البطاطس ليرتفع مجددا، ومعه أسعار الخضار والفواكه والأسماك. والنتيجة: فجوة واسعة بين أسعار أبين وجارتها عدن، وكأنّ المواطن في أبين يعيش في جزيرة اقتصادية معزولة، بلا رقيب ولا حسيب.
تجارة البطاطس اليوم تجارة رابحة بكل المقاييس. فهي سلعة أساسية، مطلوبة في كل بيت، ولا يُستغنى عنها في أي مطبخ. حتى إذا باعها التاجر بهامش ربح قليل؛ فإنه يربح بحجم الطلب الكبير عليها. لكن المشكلة ليست في طبيعة السلعة؛ بل في جشع تجار الجملة الذين يفرضون أسعارا مبالغا فيها، مستغلين غياب الرقابة الحكومية وضعف الأجهزة المعنية بحماية المستهلك.
الواقع يكشف بوضوح انه لا وجود لرقابة فاعلة على الأسواق في أبين، ولا متابعة لأسعار الخضار والفواكه والمواد الأساسية. فبينما تخضع الأسواق في عدن – وإن بحدود – لرقابة نسبية، يظل السوق في أبين ساحة مفتوحة أمام التجار لتحديد الأسعار كما يشاؤون، غير آبهين بمعاناة آلاف الأسر التي بالكاد تؤمّن قوت يومها.
المتضرر الأكبر من هذه الفوضى هو المواطن البسيط، الذي أرهقته الأزمات السياسية والاقتصادية، وضاقت به السبل لتأمين لقمة العيش. وبينما كان التنوع الغذائي جزءا من الحياة الطبيعية قبل سنوات قليلة، صار اليوم ترفا لا يحلم به إلا قلة. وحتى البطاطس – ملاذ الفقراء – تحوّلت إلى سلعة تثقل كاهل الأسرة المحدودة الدخل.
أمام هذا الوضع؛ لا بد من تحرك عاجل يعيد الانضباط للأسواق، عبر:
- تشديد الرقابة على الأسعار في أسواق أبين، وربطها بمؤشرات العرض والطلب الحقيقية.
- فرض سقوف سعرية للسلع الأساسية كالخضار والفواكه، خصوصاً البطاطس، بما يحمي المستهلك من جشع التجار.
- تفعيل دور الجمعيات التعاونية لتوفير الخضار والمواد الغذائية للمواطنين بأسعار عادلة.
- تشجيع الزراعة المحلية للبطاطس والخضار في أبين، بما يخفف الاعتماد على أسواق أخرى.
ختاما نقول: إن البطاطس ليست مجرد سلعة غذائية؛ بل أصبحت رمزا لمعاناة الناس، ودليلا على فوضى الأسواق وغياب الرقابة في أبين. وإذا لم تتحمل الجهات الرسمية مسؤوليتها، وتنهض بدورها لحماية المواطن؛ فإن البطاطس ستظل شاهدا صامتا على جوع الفقراء، وعلى فشل السياسات التي تركت السوق رهينة في يد قلة من التجار.
فهل من صحوة تعيد للأسواق توازنها، وللمواطن حقه في حياة كريمة؟
ودمتم سالمين!