خدر الوعي
بقلم: سناء العطوي
شهد العالم في العقود الأخيرة ثورة تكنولوجية غير مسبوقة غيّرت أسلوب حياة الإنسان جذريًا.
فقد أصبح الهاتف الذكي نافذة على العالم، وصارت شبكات التواصل الاجتماعي ساحة يومية للتعبير والتفاعل.
لكن هذه القفزة النوعية، على الرغم من فوائدها العظيمة، طرحت سؤالًا جوهريًا: هل جعلتنا التكنولوجيا الحديثة أكثر وعيًا وانفتاحًا، أم أنها دفعتنا تدريجيًا نحو التبلّد وفقدان العمق الإنساني؟
أول مظاهر هذا التبلّد يتجلى في تعاملنا مع المآسي الإنسانية.
لم تعد صور الحروب والكوارث تترك الأثر ذاته الذي كانت تتركه قبل عقود.
فاليوم تظهر المأساة على شاشة الهاتف بجوار مقطع ساخر أو إعلان تجاري، مما يقلل من وقعها النفسي ويحوّلها إلى خبر عابر.
هذا التزاحم العاطفي أدّى إلى ما يمكن تسميته _خدر الوعي_ ، حيث يستهلك الإنسان المعلومة والمشاعر بسرعة دون أن يترك لها أثرًا عميقًا في داخله.
كما أنّ الفرح نفسه لم يسلم من هذا التغير. فبدلًا من عيش اللحظة بصدق، أصبحنا نهتم أكثر بتوثيقها ونشرها على المنصات الرقمية.
حفلات الزواج، التخرج، وحتى لقاءات الأصدقاء، تتحول إلى محتوى مرئي موجّه للآخرين أكثر مما هي تجارب إنسانية صادقة يعيشها صاحبها.
وبذلك يفقد الإنسان علاقته المباشرة مع ذاته، ويعيش اللحظة من الخارج لا من الداخل.
لكن من الإنصاف القول إن المشكلة لا تكمن في التكنولوجيا ذاتها، فهي أداة عظيمة قادرة على نشر الوعي والمعرفة وتعزيز التواصل.
الخطر الحقيقي يكمن في الإفراط في استخدامها واعتيادنا السلبي عليها، حتى باتت تتحكم في أنماط تفكيرنا ومشاعرنا وتوجهها نحو السطحية والسرعة.
إن الخروج من دائرة _خدر الوعي_ ممكن عبر إعادة الاعتبار للتجربة الإنسانية العميقة.
ويكون ذلك بالتوازن بين العالم الرقمي والواقع الملموس، وبمنح اللحظات الإنسانية قيمتها الحقيقية بعيدًا عن التوثيق المفرط أو الاستهلاك السريع. فالتكنولوجيا يجب أن تبقى وسيلة بيد الإنسان، لا أداة تسلبه جوهر مشاعره. إن التحدي اليوم ليس في السيطرة على التكنولوجيا، بل في السيطرة على أنفسنا ونحن نستخدمها.
ختاماً:
قد لا نستطيع إيقاف زحف التكنولوجيا، لكننا نستطيع أن نختار كيف نعيش معها. نحن لسنا مضطرين أن نفقد إنسانيتنا بين إشعارات باردة وشاشات مضيئة.
ربما أعظم انتصار نحققه اليوم هو أن نحافظ على قلوبنا دافئة، قادرة على الفرح الصادق والتعاطف الحقيقي. وإن ضاع منا هذا العمق، فلن تعوّضه كل تقنيات العالم.
الكاتبة: سناء العطوي