معركة الاصلاحات الاقتصادية الكاذبة؟؟! 

قال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} 

بهذه القاعدة القرآنية والحديث النبوي الشريف، نضع أيدينا على الجرح مباشرة، فالإصلاح الحقيقي لا يبدأ من الشعب، بل من رأس السلطة، الاصلاح لا يبدأ من تحميل المواطن والتاجر أثقالاً جديدة، بل من تطهير مؤسسات الدولة ومحاسبة الفاسدين فيها، لكن ما يحدث اليوم في وطننا هو العكس تماماً: حكومة ترفع شعار الإصلاح الاقتصادي في معركة أشبه بالوهم، بينما الواقع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

منذ أن أعلنت الحكومة – وعلى رأسها رئيس الوزراء الدكتور سالم بن بريك – عن حزمة إصلاحات اقتصادية، لم نكن يوماً ضدها، بل قلنا بوضوح: نحن مع أي خطوة صادقة تنقذ البلاد وتخفف معاناة العباد، وقفنا معها واعتبرنا أنفسنا ذراعها المساندة، وأيدٍ تبني لا تهدم، لكن الحقيقة المؤلمة أن اكثر من 45 يوماً كاملة مضت منذ بدء هذه الإجراءات، دون أن نلمس أي تغيير ملموس في مؤسسات الدولة أو في حياة المواطن، فترة زمنية كافية لو كانت هناك نوايا صادقة، لكنها انقضت في تصريحات وشعارات، ولم تنعكس في واقع الناس، فكيف يُطلب من الشعب الصبر على إصلاحات لم تبدأ حتى من داخل أجهزة الدولة؟

بلادنا اليوم تضم أكثر من ٣٣ وزارة، وعشرات الوزراء والوكلاء والمسؤولين، فهل يُعقل أن يكون جميعهم شرفاء بلا فاسد أو فساد ولا إخفاق؟ وإن لم يكونوا كذلك، فلماذا لم نسمع عن إقالة مسؤول واحد، أو محاسبة وزير واحد؟ الأدهى أن الإصلاحات اقتصرت على سعر الصرف، انخفض الدولار والسعودي خلال أيام، لكن دون أثر مباشر على الخدمات، وهنا يبرز سؤال منطقي: من كان وراء ارتفاعه الجنوني سابقاً؟ وهل يمكن أن يحدث التلاعب بالعملة بلا أيدٍ متحكمة؟ وإن كان هناك من تلاعب، فلماذا لم يُحاسب حتى اليوم؟ أين القضاء؟ أين مبدأ الشفافية الذي يُرفع كشعار ولا يُطبق كواقع؟

التقارير الرسمية تؤكد أن أكثر من ١٤٠ مؤسسة حكومية لم تلتزم بتوريد إيراداتها إلى خزينة الدولة، ومع ذلك لم نشهد أي محاسبة أو حتى إعلان عن أسماء هذه المؤسسات، كيف يمكن الحديث عن إصلاح اقتصادي بينما هذه الفوضى المالية مستمرة؟ هل تورد جميع المحافظات المحررة فعلاً إيراداتها للبنك المركزي؟ أم أن هناك استثناءات تُدار لمصالح ضيقة وأجندات خاصة؟

اما الكهرباء اليوم هي الوجه الأبرز لمعاناة المواطنين: انقطاعات متكررة ومبررات واهية، أعذار لا تقنع أحد، بينما الحقيقة أن لوبي فساد يتحكم بالخدمة.

خلال أيام الانتفاضة الشعبية في ساحل حضرموت، تحسنت الخدمة فجأة واستمرت لساعات، ثم عادت للتراجع بعد انطفاء صوت الناس، مما يثبت أن الانقطاعات وسيلة ابتزاز وإذلال للشعب، أما تسعيرة الاستهلاك، فقد ارتفعت بنسبة ٣٠٠٪، وهو ارتفاع غير مبرر انعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات الأساسية، فهل هذه هي الإصلاحات التي يتحدثون عنها؟ رفع الأسعار وترك المواطن فريسة للوبيات؟

وإذا كان الاقتصاد مرآة الدولة، فإن قطاع النفط والغاز يكشف بوضوح حجم العبث: أسعار الديزل والبترول لا تزال مرتفعة رغم أن هذه الموارد تُستخرج من تحت ارجلنا، وارتفاع أسعار الوقود تنعكس بشكل مباشر على كل تفاصيل الحياة: من المواصلات إلى أسعار الخضروات، ومن النقل إلى الخدمات، اما الغاز المنزلي لا يُباع بالتسعيرة الرسمية، بل يُتلاعب به في كل محافظة ومدينة وقرية.

واذا تحدثنا عن فارق السعر الذي يذهب إلى جيوب لوبيات الفساد، لا إلى التعليم المتوقف ولا إلى الصحة المنهارة، فهل يُعقل أن يُنهب الشعب في وضح النهار بينما ترفع الحكومة شعار الإصلاح؟

و لا يمكن لأي إصلاح اقتصادي أن يكون حقيقي في بلد ينهار فيه القطاع الصحي، أسعار الأدوية اليوم جنونية، تتضاعف يوماً بعد يوم، لا يعرف المواطن بأي سعر صرف تُحتسب هذه الأدوية، ولا كيف تُستورد، غياب الرقابة جعل من تجارة الدواء ساحة مفتوحة للتلاعب، وأليس من الأولى إعفاء الأدوية والمستلزمات الطبية من الجمارك والضرائب حتى تصل إلى المريض بسعر معقول؟ المسؤولون أقسموا أمام الله أن يخدموا الناس بصدق، لكن القسم لم يترجم إلى أفعال.

إن ما يُسمى معركة تحسين الاقتصاد لن تنجح أبداً ما لم تبدأ من رأس الهرم، من محاسبة الوزراء والمسؤولين الفاسدين، من ضبط الإيرادات، ومن تنظيف المؤسسات من العبث، والإصلاح لا يكون بتحميل المواطن كلفة جديدة، ولا بجعل التاجر شماعة، بل بخلق بيئة مؤسسية نزيهة وشفافة، تُعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، أما الاستمرار في المعركة الكاذبة فلن يقود إلا إلى انفجار شعبي قادم، لأن الناس قد صبروا طويلاً، وصبرهم بدأ ينفد، وقد اعذر من انذر.

لقد أثبتت التجربة أن ما يُسمى بمعركة تحسين الاقتصاد ليست سوى واجهة دعائية، تُخفي خلفها فشلاً أعمق وفسادا أكبر، وإصلاح العملة لا يعني شيئ إذا بقي الفساد متجذر في الوزارات والمؤسسات، والتاريخ لن يرحم من خدع الشعب بشعارات كاذبة، ولن يغفر لمن جعل الإصلاح مجرد غطاء لمصالح ضيقة، والمواطن اليوم يرفع صوته عالياً ابدأوا بأنفسكم أولاً، قبل أن تطلبوا منا الصبر على إصلاحاتكم.