ثمن النقاء : كيف قتلت " وساخة البشر " افتهان المشهري؟
بقلم : د. مرسي أحمد عبدالله
في مدينة تعز ، حيث يتنازع الأمل مع اليأس يوميًا ، رحلت روحٌ نقية كانت تسعى لتنظيف شوارعها من القمامة المادية . كانت مهمتها بسيطة وضرورية : أن تجعل المدينة مكانًا أفضل للعيش . كانت تحمل على عاتقها مسؤولية مجتمع كامل ، لا بل أكثر ، مسؤولية إنسان يؤمن بأن التغيير ممكن . لكنها لم تكن تعلم أن المعركة الحقيقية ليست مع أكوام النفايات في الشوارع ، بل مع "وساخة البشر" التي تفوح من النفوس المريضة .
تلك القذارة ليست مجرد تعبير مجازي ، بل هي حقيقة مؤلمة تتجسد في التهديدات والاعتداءات التي تعرضت لها ، وفي التخاذل المخزي من قبل المسؤولين الذين كان من واجبهم حمايتها . لقد كانوا على علم بوجود الخطر ، ولكنهم آثروا الصمت ، وربما التجاهل . لم يكن نقاءها واخلاصها من قتلها ، بل الإهمال والفساد اللذان سمحا للجريمة أن تحدث .
إن قصة افتهان هي حادثة عكست واقعاً أوسع وأكثر مرارة . إنها تكشف عن مجتمع يفتقر إلى من يحمي الأمل ، ويكشف عن مسؤولين يتنصلون من واجباتهم الأساسية . ففي الوقت الذي كان يجب أن تكون فيه قدوة ، أصبحت الضحية التي تدفع ثمن نزاهتها وتفانيها .
رحيل افتهان ليس خسارة لشخص ، بل هو خسارة لروح المبادرة ، وللإيمان بأن الخير يمكن أن ينتصر . إنها رسالة حزينة ومؤلمة تقول إن النور في بعض الأماكن يمكن أن يُطفأ بسهولة ، وأن الأيدي التي تمتد لتبني يمكن أن تُكسر من قِبل من كان يجب عليهم دعمها .
وفي النهاية ، تبقى تعز ، المدينة التي حاولت افتهان تنظيفها ، شاهدة على أن بعض الجروح ليست من الحرب ، بل من خيانة الأمل . ويبقى سؤال واحد يتردد صداه : متى نُدرك أن بناء الأوطان لا يقتصر على تنظيف الشوارع ، بل يتطلب أولًا تطهير النفوس من "وساخة البشر" ؟