النتائج السلبية للانقلاب على النظام السياسي اليمني.. مدينة تعز إنموذجاً ..!! 

عاش الشعب اليمني تاريخ طويل حافل بالصراعات والحروب والتدخلات الخارجية ، وبينما كان العالم في القرن الماضي ينطلق نحو الحضارة والتقدم ويجني ثمار النهضة العلمية في كل مجالات الحياة ، كان الشعب اليمني قابع تحت سلطة ملكية إمامية عزلته عن العالم ، وجعلته يعيش في ما قبل العصور الوسطى ، يعيش في حالة من الجهل والتخلف والبؤس والفقر والمرض ، وبينما كانت المجتمعات البشرية تتسابق على شراء أحدث ما وصلت إليه الموضة في عالم الأزياء والملابس الجاهزة ذات الماركات الفاخرة ، كان المواطن اليمني في أحسن أحواله يغطي بعض أجزاء جسده بقطعة قماش رديئة ، وتظل ملاصقة لجسده لفترة طويلة لأنه لا يمتلك سواها ، حتى جاءت ثورة 26 سبتمبر المجيدة 1962م ، وفتحت المجال أمام أبناء اليمن للحاق بركب الحضارة البشرية في كل مجالات الحياة ، ففي المجال السياسي تحولت اليمن من النظام الملكي الإمامي الوراثي إلى النظام الجمهوري التعددي ، وبدأ أبناء اليمن يستنشقون نسمات الحرية والمشاركة السياسية وإن كان ذلك الحراك السياسي يحدث بشكل بطيئ ، وذلك بسبب وجود قوى نفوذ قبلية ودينية ومناطقية كانت تعمل على عرقلة ذلك الحراك السياسي حفاظاً على مصالحها ونفوذها ، فقد كانت ولا تزال تنظر إلى أي حراك سياسي او تنموي او اقتصادي او تعليمي أو نهضوي على أنه يمثل تهديد لنفوذها ومصالحها ..!! 

لكن رغم كل العراقيل والعقبات دارت عجلة التنمية والنهضة في كل مجالات الحياة وإن لم يكن بالشكل المطلوب الذي كان يطمح إليه أبناء اليمن ، وبعد قيام الوحدة اليمنية في 1990م والاعلان عن التعددية السياسية لم تسلم الاحزاب السياسية من سطوة قوى النفوذ فقد سيطرت على المراكز القيادية لمعظم الاحزاب ، وبذلك أصبحت قوى النفوذ بكل اشكالها القبلية والدينية والمناطقية تسيطر على المناصب الهامة والقيادية في الحكومة والجيش والاحزاب والبرلمان ، ورغم كل ذلك إلا أنها استكثرت على المواطن اليمني تلك المساحة من الحرية والمشاركة السياسية ، ورأت أن استمرار التجربة الديمقراطية الوليدة في اليمن تمثل خطر على نفوذها ومصالحها على المدى المتوسط ، وكانت تنظر بعين الريبة والشك إلى كل ما له علاقة بالنظام والقانون وكل ما له علاقة بالعمل الحكومي المؤسسي ، فكل ذلك ينتقص من نفوذها ويحد من مصالحها ، لذلك لم تتردد في استغلال فرصة الربيع العربي لتعلن انقلابها على النظام الجمهوري وعلى الديمقراطية والتعددية السياسية ، رافعة شعار الشعب يريد اسقاط النظام ، ولتقوم بالاعتداء على مؤسسات ووزارات الدولة ونهبها وتخريبها والعبث بمحتوياتها ، وصولا إلى قيامها بهيكلة وتفكيك الجيش اليمني وتكوين ميليشيات قبلية وحزبية ومناطقية كبديل للجيش وقوات الأمن النظامية ..!! 

وقد تمكنت قوى النفوذ تلك من مخادعة الجماهير برفعها شعار الدولة المدنية ، نعم الدولة المدنية التي سخر قادة تلك القوى كل قوتهم لافشالها واعاقة تقدمها وتخريب منشآتها ومؤسساتها ووزاراتها وعرقلة مشاريعها ومحاربت وتخريب منجزاتها ، وللأسف الشديد انخدع الكثير من أبناء اليمن بتلك الشعارات البراقة الزائفة وركبوا موجة اسقاط النظام ، ليجدوا انفسهم بعد ذلك بدون دولة وبدون نظام وقانون وبدون جيش وأمن ، ووجدوا أنفسهم والميليشيات القبلية والحزبية والدينية والعصبوية والمناطقية هي من تتحكم بمصيرهم وحاضرهم ، وهي من تحكمهم بالحديد والنار وتمارس ضدهم كل صور الاستبداد والقمع والبطش والطغيان والفساد والسلب والنهب ( ما يحدث في مدبنة تعز اليوم إنموذجا ) ، مدينة تعز المغدورة والمنكوبة والحزينة ، التي دفعت وتدفع الثمن الباهض لسقوط النظام ، والتي باتت وكراً للعصابات الإرهابية والاجرامية التي حولت حياة أبناء تعز إلى كابوس مخيف ومرعب ، بعد أن صار الموت والقتل والعنف يلاحقهم ويطاردهم في كل مكان ، وبعد أن صار القتلة والمجرمين وقطاع الطرق هم من يحكمونها ويعيثون فيها فسادا وارهابا وسلبا ونهبا ، نعم في غفلة من الزمن وعلى حين غرة فقدت مدينة تعز مدنيتها وتحضرها وريادتها وحلمها ، لتصبح مدينة غير صالحة للعيش فيها ..!! 

وذلك هو النتيجة الطبيعية لإسقاط النظام السياسي اليمني ، وما ترتب عليه من تسريح الكوادر المؤهلة والمدربة التي كانت تدير مؤسسات وأجهزة الدولة ، واستبدالها بكوادر قبلية وحزبية وعصبوية ومناطقية غير مؤهلة ولا تمتلك أدنى خبرة عن الإدارة والقيادة ، وليت أن الأمر قد توقف عند ذلك الحد بل لقد استعانت قوى النفوذ الانقلابية على الكثير من القتلة والمجرمين وقطاع الطرق واللصوص لتسيير شئون مدينة تعز ولإحكام السيطرة عليها ، فلم يعد للكفاءة والخبرة والمؤهل والاخلاق والنزاهة مكان في عملية تعيين واختيار الموظفين والقادة ، بل كان ولا يزال وسيظل المعيار الوحيد لدى قيادات قوى النفوذ الحاكمة لتعز اليوم هو معيار الولاء الحزبي والارتباط القبلي والمناطقي وصلات القرابة ، بغض النظر عن سجلاتهم الاجرامية السابقة ، وهذا هو ما أوصل ندينة تعز للحال المأساوي الذي تعيشه اليوم ، فقد تم استبدال الولاء للوطن إلى الولاء للحزب والقبيلة ، وتم استبدال اصحاب الكفاءات والمؤهلات والخبرة بأصحاب السوابق وقطاع الطرق ، وتم استبدال قوات الجيش والأمن النظامية بميلبشيات قبلية وحزبية وعصبوية ، وتم استبدال النظام والقانون بالفوضى والمزاجية ، لتعيش مدينة تعز فصول من الخوف والرعب والاستبداد والقمع والسلب والنهب والظلم والعبث والقتل والسلبية ، كان آخرها وأشدها ألما وحزنا هو قتل الشهيدة افتهان المشهري مدير صندوق النظافة في وضح النهار برصاصات غادرة وجبانة سفكت دمها الطاهرة ، لأنها قالت لقوى النفوذ تلك لا ، ورفضت الرضوخ لابتزازهم ونهبهم لايرادات الصندوق ، وأرادت أن تخدم مدينة تعز بكل صدق واخلاص ، وارادت أن تعيد لمدينة تعز بعضا من جمالها ونظافتها ورونقها المفقود ، وهي لم تدرك حجم الحفد والمرض الذي تكنه قيادات تلك القوى وعناصرها لكل ما هو مدني وحضاري وجميل ، فكان الثمن هو حياتها ، وهذا هو مصير كل من يفكر الخروج عن طوع قيادات قوى النفوذ المسيطرة اليوم على مدينة تعز ..!!