الشهيدة إفتهان.....النموذج الذي نبحث عنه
بقلم : ا.د. سمير عبدالغني طارش
إن استشهاد أفتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة في تعز، لم يكن حادثة عابرة، بل جرحًا عميقًا في قلب الوطن ورمزًا لمعركة مستمرة بين الحق والباطل. هذه المرأة الشجاعة حملت على عاتقها مسؤولية جسيمة، فعملت ليل نهار من أجل خدمة أبناء مدينتها، ووقفت بوجه الفساد واللصوص، وتحدّت عصابات الفيد والإرهاب، وقوى الاستقواء العسكري والانتهازية السياسية.
ما يميز الشهيدة أفتهان أنها لم تكن وراءها جماعة أو حزب أو قبيلة، بل كانت وحدها تقف في وجه منظومة من الفساد والنهب، مسلحةً فقط بضميرها وإيمانها بعدالة قضيتها. فضحت قيادات إدارية وعسكرية بالاسم، ورفضت أن تخضع لتهديد أو ابتزاز، فكانت بذلك نموذجًا وطنيًا نزيهًا وشجاعًا.
إن تضحياتها اليوم تعيد إلى الأذهان دماء أولئك العظماء الذين اغتالتهم الأيادي نفسها: إبراهيم الحمدي الذي حلم بيمن مدني حديث فقُتل غدرًا، وعدنان الحمّادي الذي واجه مشاريع الخراب في تعز فسقط شهيدًا. إنها نفس القوى الظلامية الانتهازية الإجرامية التي لا تزال تنخر في جسد المجتمع، تعرقل مسيرة الدولة، وتستهدف كل قائد وطني شريف.
كما هو واضح في المشهد اليمني، فإن جماعة الإخوان الممثلة بحزب الإصلاح عمدت إلى تشكيل ألوية عسكرية من كوادر حزبية وقبلية غير مؤهلة، لا يجمعها معيار الانضباط أو الكفاءة، بل الولاء التنظيمي. هذه التشكيلات، التي تُدار بمرجعيات سياسية خارجية أبرزها من تركيا، استولت على قرار الجيش في تعز، وارتدى عناصرها الزي العسكري ومنحوا السلاح، لكنهم مارسوا أعمالهم كميليشيات حزبية مسلحة. فبدل الالتزام بتعليمات الدولة ومؤسساتها الرسمية، انشغلوا بفرض السيطرة على الممتلكات العامة والخاصة، والاستقواء على المواطنين، ونهب مباني الدولة ومقدراتها تحت ذريعة أنهم شاركوا في تحرير تعز. هذه الممارسات رسّخت عقلية الفيد والغنيمة التي تُميّز الجماعات الإسلاموية الانتهازية، والتي تتحرك حيثما وُجدت الفرصة للتمكين والسيطرة، حتى لو كان الثمن هو تمزيق المجتمع وإضعاف الدولة.
إن دماء الشهيدة أفتهان المشهري وتضحيات الشرفاء قبلها لا يجب أن تمرّ بصمت، بل أن تتحول إلى ثورة شعبية واعية تستعيد تعز أولاً، ثم اليمن كله، من هؤلاء القتلة وقطاع الطرق وتجار الحروب. فالمواجهة اليوم لم تعد خيارًا، بل واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا.
الشهيدة أفتهان المشهري هي النموذج الذي نبحث عنه: مسؤولة جسورة، مواطنة مخلصة، شهيدة وقفت في وجه الفساد وقوى الظلام والتمكين والخراب. إن مطالبتنا اليوم بمحاسبة فريق القتلة الذي شارك في قتلها ليست فقط وفاءً لها، بل دعوة لكل يمني أن يتحمّل مسؤوليته، وأن لا يقبل أن يظل الوطن أسير عصابات الفساد والجهل والظلم والظلام.