بعد عامين من الحرب…انتصرت غزة
عامان من الحرب،عامان من الجحيم الذي لا يهدأ، عامان من ليلٍ لم يعرف صباحه طريقًا إلى النور.عامان وغزة صامدة،وحيدة،في وجه أعتى آلة حرب عرفها العصر الحديث،محاصرة من البحر والبر والسماء، بينما يغلق العالم أبوابه وكأنها خطيئة يجب أن تُمحى.لكنها لم تُمحَ بل كتبت اسمها بالدم على جدار الزمن لتعلن للعالم:"هنا وُجدت غزة…وهنا انتصرت."
لم تكن الحرب على غزة مجرد قصف أو دمار عابر.كانت ملحمة من الألم الممتد، من الحصار والجوع والدموع. من أمهاتٍ حملن أبناءهن على الأكف، ومن أطفالٍ وُلدوا في الملاجئ تحت أصوات الانفجارات كل قذيفةٍ تسقط كانت تفتح بابًا جديدًا للأمل،وكل بيتٍ يُهدم يتحول إلى راية ترفرف في وجه المستحيل.في تلك المدينة الصغيرة المحاصرة،كانت الإرادة تصنع المعجزات.لم يكن في غزة جيشٌ نظامي،ولا طائرات حديثة، ولا تحالفات دولية.كان فيها الإيمان،أرضٌ تعرف أبناءها جيدًا، وأمهاتٌ يرضعن أطفالهن الحليب والكرامة في آن واحد.
أرادوا أن يُطفئوا النور فيها، فأشعلت غزة نورًا في وجدان الأمة.أرادوا أن تُخيفها بالصواريخ، فإذا بها تُخيفهم بالثبات.
أرادوا أن تُروّض شعبها بالجوع، فإذا بهم يُربّون جيلًا من الأسود.أرادوا أن يمحوها من الخريطة، فإذا بها تكتب نفسها في قلب التاريخ.أرادوا أن تجعل منها رمادًا… فصارت شعلة.وحين خانها القريب والبعيد، وظنوا أنها انتهت، نسوا أن المدن لا تموت حين تُقصف، بل حين تُنسى. غزة لم تنسَ، ولم تتنازل، ولم تساوم على حقها. وفي كل يومٍ من عامي الحرب كانت تُعيد تعريف معنى القوة. فالقوة ليست في عدد الطائرات، ولا في الدمار الذي تُحدثه الحرب، بل في عدد القلوب التي لا تعرف الخوف، وفي الإصرار على الحياة رغم كل شيء.
عامان من السماء المشتعلة،وعالمٌ يراقب بصمتٍ بارد وغزة تصرخ: "لن نرحل، لن نُهزم، لن ننسى."عامان من النار لم تُطفئا روحها، بل صهراها في فرن التجربة حتى صارت صلبةً كالفولاذ.كل شهيدٍ فيها كان آية تُتلى،وكل جريحٍ شاهدًا على أن الحرية لا تموت بالرصاص.حتى الأطفال الذين فقدوا بيوتهم صاروا سفراء للأمل،يرسمون على الجدران المهدمة بيتًا جديدًا وسماءً لا تمطر صواريخ، بل نجومًا.
وأخيرًا هدأت الحرب.وتراجعت دبابات الاحتلال وانطفأت أصوات القصف.ولم تخرج غزة لتعدّ خسائرها،بل خرجت لترفع علمها فوق الركام وتقول:"انتصرت غزة لأنها لم تنكسر."وانتصرت غزة بعد عامين من النار لأنها حررت المعنى من الذل.في زمنٍ يُقاس فيه النصر بعدد الطائرات، علّمت غزة العالم أن النصر يُقاس بعدد الذين لم يرفعوا الراية البيضاء.انتصرت غزة لأن فيها قلوبًا تُصلي لا لتنجو،بل لتثبت.انتصرت غزة لأن فيها رجالًا حملوا الأرض على أكتافهم،ونساء حملن الوطن في صدورهن انتصرت غزة لأن فيها أطفالًا لم يتعلموا بعدُ معنى الخوف،بل تعلموا أن يقولوا:"سنعود."غزة انتصرت والبقية على العالم أن يتعلم كيف تُقاس القوة الحقيقية،ليس بالمدافع،بل بالإرادة والكرامة.