ثورة 14 أكتوبر .. ملحمة التحرير

تُعد ثورة 14 أكتوبر 1963م نقطة تحوّل تاريخي من المقاومة السلمية والسياسية إلى الكفاح المسلح، توِّجت بنصر عظيم أمام أعتى قوة عالمية.

انطلقت شرارة الثورة في 14 أكتوبر 1963م من جبال ردفان الشماء ضد أقوى وأصلف قوة عالمية ظلت جاثمة على تراب أرض الجنوب لمدة 129 عاماً (منذ 1839م)، تحت قيادة البطل الشهيد راجح بن غالب لَبْوَزة، الذي استُشهد في اليوم نفسه بعد مغيب الشمس. واستمر الكفاح المسلح بمشاركة كل الفصائل الوطنية المختلفة حتى تُوِّجت هذه الثورة بتحقيق الاستقلال الوطني وطرد وإجلاء آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967م.

الإرادة الشعبية والرغبة التحررية
في كل الحروب القديمة والحديثة، يمتلك الطرفان المتحاربان من السلاح ما يؤهلهما للهجوم أو للدفاع، ويكون لديهما استعداد قتالي عالٍ. ويكون سلاح الطرفين إما متكافئاً أو هناك فوارق بسيطة في التكنولوجيا والحداثة. لكن هذا لا يعني أن النصر سيكون حليف الخصم الأقوى عُدة وعتاداً، بل النصر سيكون لصاحب الإرادة والإيمان بالحرية وحب الوطن والرغبة في الشهادة من أجل ذلك.

بالعودة إلى موضوع التكافؤ في السلاح للمتحاربين، فإن هذه النظرية لم تنطبق ولم تكن موجودة عند ثوار 14 أكتوبر، لأنهم لم يمتلكوا غير السلاح الشخصي القديم (كالـ "كند" والـ "جِرمل") فقط. ومع ذلك، صنعوا نصراً عظيماً ضد الاستعمار البريطاني الذي يمتلك المجنزرات والمدرعات والصواريخ.
لقد كانت إرادة أبناء الجنوب أقوى من سلاح المحتل والمستعمر البريطاني.

حقق الثوار نتائج حاسمة بفضل تكتيك محكم، حيث استخدموا حرب العصابات والفدائيين التي اعتمدت على السرعة والمباغتة لضرب العدو، وسرعة التخفي والتنقل إلى أماكن أخرى لتنفيذ نفس المهام. هذا الأسلوب سبب إرهاقاً شديداً للقوة الاستعمارية وصَعُب عليه اختراقهم. ورغم محاولة القوة الاستعمارية استخدام سياسة الأرض المحروقة، فإنها لم تُجدِ نفعاً أمام تضحيات الفصائل الوطنية.

في النهاية، أدى تزايد العمليات الفدائية وخسائر القوات البريطانية المستمرة في الأرواح، حيث قُتل وجُرح المئات من الجنود البريطانيين، إلى جانب الضغوط الاقتصادية والسياسية الدولية، إلى قناعة الحكومة البريطانية باستحالة البقاء في الجنوب. ليتم الإعلان عن جلاء القوات البريطانية ورحيل آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967م. وهنا تأتي اللحظات التاريخية الفارقة لأبناء الجنوب بالنصر والتحرر من العبودية والاستعمار، وكانت هذه النقطة التاريخية الفاصلة لتوحيد كل الفصائل الوطنية المسلحة وبناء الدولة المركزية.

فلنفخر ونفاخر بأولئك الأبطال الذين نقشوا تاريخاً لن يندثر، ولنفخر أيضاً بأهلنا وأحبابنا أهل ردفان الصمود، أحفاد لَبْوَزة ورفاقه. نسأل الله أن يرحمهم بواسع رحمته، إنه القادر على ذلك.