بلا هدف ولا معنى 

استلفتت نظري تلك الضحكات العالية التي يصدرها عدد من الفتيان ، وهم ينظرون إلى فتى آخر يبادلهم الضحكات نفسها ، عند ذلك أدركوا أن ضحكاتهم قد أزعجتني أو هيجت فضولي ، فقالوا : ألا تريد أن تشاركنا الحديث ياشيخ ؟ قلت : بلى ولكن ما الذي يضحككم كل هذا الضحك ؟ قالوا : سوف ندع هذا الفتى يحكي لك الحكاية ، قلت : ما حكايتك يافتى؟ قال : لقد كنت أعمل في سوق إحدى المحافظات اليمنية ، أبيع القات ، وكنت أسمع كثيرا عن أولئك  الذين يسافرون إلى حاضرة العرب ، عند ذلك قلت : لماذا لا أعمل كما يعملون ، وأسافر إلى حيث يسافرون؟ لعل في الأمر ما يحسن الأحوال ويعود علي بشيء كثير من الأموال ، قطعت تذكرة سفر ، وقبلها كنت قد استخرجت الجواز ، قدمت إلى حاضرة العرب والأحلام تنوشني من كل جانب ، والآمال من حولي  فراد وأسراب ، والخيال قد بنى لي - بعد العودة - قصورا للأقارب والأحباب ، وأعد لي المركبات الفارهة والكل يتسابق ليفتح لي الباب ، وها أنا قد استكملت أسبوعا في الحاضرة ، ونقودي على وشك النفاد ، ولم يتبق لدي إلا تذكرة العودة ، وانحسرت الأحلام فيما يوصلني من الدقي إلى صالة المغادرين ... 

وهنا سألته ألم تبحث عن عمل في حاضرة العرب يابني ؟ قال : بلى لقد قضيت أسبوعا وأنا أصحو مبكرا  لعلي أظفر بعمل  أقتات منه ، غير أن البطالة قد عشعشت وباضت في هذه البلاد ، وفي هذه الأثناء فقط علمت يقينا أن  رحلتي كانت من دون هدف ولا معنى ،  فهدفي الذي رسمته لم يكن إلا ضربا من الوهم  تحطم على صخرة الواقع المر الذي تعيشه أمتنا ، الأمر الذي جعلني أقرر العودة مكرها إلى بلدي ، وإلى عملي الشاق ، والرضا بما قسم الله لي ...