رحلة مدرسية أم مهمة تموينية؟!

في زوايا بعض المدارس الخاصة، وربما العامة أيضًا، بدأت تظهر ممارسات تبدو للوهلة الأولى عادية، بل وربما ممتعة، لكنها في جوهرها تحمل من الإشكاليات التربوية ما يستوجب التوقف عندها، أحد هذه المظاهر المتكررة تتمثل في طلب بعض المعلمات من طلابهن إحضار مأكولات ومشروبات ووجبات كاملة استعداداً لرحلة مدرسية، قد لا تتجاوز حديقة قريبة أو فناء مدرسة أو ربما لاتتحاوز حجرة الفصل!

تبدأ القصة بلهجة حماسية من المعلمة فتقول لهن: "يا بنات لدينا رحلة الأسبوع القادم، نريد أن نفرح ونأكل ونلعب!" الغريب في الأمر أن الفرحة تحولت إلى توزيع مهام "أنتِ جيبي بيتزا، وأنتِ عصائر، وأنتِ طبقًا آخر، أما أنتِ ففواكه، طبعًا فواكه من النوع الغالي! كالأفوكادو وغيره"، وكأن الفصل تحول إلى لجنة تنظيم حفلة فخمة.

هذا ما قاله لي بل شكاه لي أحد أولياء الطالبات بأحد الباصات حينما كنت في زيارة خاصة إلى مدينة عدن الأسبوع الماضي، يقول لي: "تفاجأت أن ابنتي تطلب مني شراء أنواع فواكه باهظة الثمن لرحلة بسيطة ارضاء لمعلمتها! ونحن لنا أكثر من خمسة أشهر بدون رواتب"، ولم تدخل بيتنا فواكة منذ شهور!،
وأردف قائلًا: لقد اضطرت أم إلى استدانة المال لتوفير ما طلب من ابنتها حتى لا تحرج البنت أمام زميلاتها، ليست المشكلة في مبدأ المشاركة أو الفرح، بل في تجاوز الحدود حين تلقى المسؤوليات المالية على كاهل أسر قد لا تملك رفاهية الاختيار، ويصبح الطالب أداة لتغطية حاجيات كان من المفترض أن تتكفل بها المدرسة إن رأت الرحلة ضرورية.

والأسوأ حين تتحول هذه الرحلات إلى عرف شهري أو شبه دوري، وكأن المدرسة نسيت دورها التربوي وتحولت إلى نادي اجتماعي بتمويل أهلي غير معلن!!

السؤال هنا.. هل تعذر على بعض المعلمات أو الإدارات توفير القليل من الضيافة؟  المسألة تجاوزت البراءة لتتحول إلى استغلال ناعم مغلف بابتسامة "رحلة ترفيهية"؟

إن التربية مسؤولية والرحلات جزء من تكوين الشخصية، لكن حين يتم تحميل الطالب ما لا يحتمل وتتورط أسرته في تلبية طلبات لا تمت للتعليم بصلة، يتحول الأمر من نشاط تربوي إلى عبء اجتماعي غير مبرر، ويبقى الأمل في وعي الإدارات في موقف حازم من الأهالي يضع حدًا للفكرة قبل أن تتكرس كسلوك طبيعي في مؤسساتنا التعليمية، لذلك ربطت هذا المقال بالمقال السابق والذي كان تحت عنوان "المعلم الحاضر الغائب" ضمن سلسلة قضايا تواجه الإدارات المدرسية وأولياء الأمور معًا للبحث عن حلول لها والتصدي لكي لاتصبح عادة وظاهرة مألوفة واسلاف لا نستطيع ايقافها.