في ظلام دامس
أكتب سرديتي هذه ، وأنا في وضع مؤلم ، في واقع مزر ؛ إذ أنظر إلى واقعنا ، وقد اجتمعت حولنا الظلمات ، وطوقتنا الموبقات ، وولات أمرنا لم تعد تعنيهم مأساتنا ، ولم تستلفتهم معاناتنا ، وأنين آلامنا ، لقد أمسينا كالقطيع في الكنان المظلم ، والبرد المؤلم ؛ إذ اجتمعت عليه ظلمات بعضها فوق بعض ؛ ظلمة الكهف ، وظلمة المطر ، حين حجبت السحب السوداء الرؤية تماما عنه من بعد الظهر إلى منتصف الليل ، فضلا عن ظلمة الليل التي عززت تلك الظلمات ، وزحفت نحو الكهف ؛ لتطبق على ذلك القطيع الضعيف ، فأضافت إلى الظلام ظلاما ، وإلى البرد القارس بردا ، وإلى الجوع الذي هيمن على القطيع جوعا ، وإلى الخوف جراء امتداد زمن المطر أخوافا .
وإذا ما قارنت حالنا في حاضرة بحر العرب بحال ذلك القطيع ، في ذلك الكهف المظلم ، حين اجتمعت عليه الظلمات فلا أظن أنني قد أخطأت في التشبيه البتة ، بل ربما كان حالنا هو الأسوأ ؛ لأننا أمسينا ، ونحن نجد أنفسنا في بحر من الظلمات ؛ ظلمة الجهل التي تفشت في مجتمعنا كالداء العضال ، وظلمة المرض التي انتشرت في مجتمعنا ، كانتشار الجراد في الحقول الزراعية ، وظلمة التعليم التي زحفت نحونا ، كزحف العدو الظالم المتكبر على ضعاف القوم ، وظلمة المياه التي نالت من مجتمعنا كنيل الجفاف من الزرع ، أما ظلمة الكهرباء فهي أدهى وأمر ؛ إذ جعلتنا في عجز عن العمل والتدبير والتفكير ، كالأعمى الذي يجد نفسه في صحراء قاحلة من غير دليل...