العادات السيئة تهلكنا . 

كتب : حسين أحمد الكلدي 

بدأتُ متابعًا بعنايةٍ فائقةٍ العاداتِ السيئةَ التي نكتسبُها في المجتمع خلال الطفولةِ أو الشباب، سواءٌ من الزملاء أو الآباء أو الإخوة، دون أن ندرك أنها تؤدي بنا إلى الإدمان. في مقالي هذا، أريد أن ألقي نظرةً متعمقةً على هذه العادات السيئة متعددةِ الأوجه، والتي تؤثر على مستقبلنا ومستقبل أبنائنا. فإن كانت العادةُ جيدةً سوف تأخذك إلى القمة، وإن كانت سيئةً ستقيدك في القاع وتجعلك تعيش في قاع المجتمع حبيسًا لها. وهنا تذكرتُ يومًا من الأيام عندما وضعتُ أول سيجارةٍ في فمي، شعرتُ بأن جسدي يرتعش يرفض هذه العادة، وكدتُ أتقيأ، لكنني كنت أنظر إلى زملائي وأقربائي المدخنين عند اعتقادي أنهم يشعرون بالمتعة، وكانوا يُفسرون ذلك على أنه من الرجولة. وقد كان لي مقالٌ سابقٌ عن كيف جنَّبني اللهُ هذه العادةَ السيئةَ بفضل أحد جيراني الصالحين وبفضل أمي -رحمها الله-، فكانت أولَ رشفةٍ وآخرَ رشفةٍ لي من هذه السيجارة اللعينة. وعندما أصبحتُ شابًا كبيرًا، علمتُ بما تخلفه هذه العادة من دمارٍ هائل للصحة ولمدخراتي ، وكيف كانت تؤثر على كافة أسرتي المستقبلية. ولهذا، فإن كل عادةٍ سيئةٍ تبدأ ببطءٍ ثم تستفحلُ بشكلٍ تدريجيٍ، فلا يتطلب في البداية دفعُ ثمنها الكثيرَ؛ لأن الشباب يحصلون عليها من أقرانهم، وقد يدفعون القليلَ من المال لأنهم لا يزالون في بدايتها لايشعرون ، حتى يحدث التحولُ الذي ينقلهم إلى مرحلةٍ يبحثون فيها عن المال لدفع نفقات هذه العادة الجديدة. فالعاداتُ تختلفُ عن بعضها، فيبدأ المدمن بالاستهتار بآثارها، فيقول لنفسه: "سأقلع عنها في أي وقتٍ أشاء". فمن يدخن السيجارة قد ينتقل إلى تدخين الحشيش، ويقول: "هذا نباتٌ طبيعيٌ لن يؤثر علي". وهذه المرحلة هي بداية تحوله إلى مدمن، وعندما يعجز عن الحصول على المال، قد يتحول إلى مروِّجٍ ويبحث عن عملاء جدد، لينتقل بعد هذه المرحلة إلى المخدرات الأكثر فتكا وخطورة. وهكذا لا يشعر بالتدهور الذي يحصل له بمرور الوقت ، فهو ينتقل من مرحلةٍ إلى أخرى حتى ينتهي به المطاف إلى فعل أي شيءٍ للحصول على جرعته المطلوبة. وهذه الرحلة المخيفة للعادات السيئة قد تقوده إلى السرقة من اسرته أمه وأبيه، وقد تقوده إلى ارتكاب جرائمَ كقتل أعز أصدقائه دون أن يشعر. فكل عادةٍ تبدأ ببطءٍ وتتسارع حتى توصلك إلى طريق لا عودةَ منها، وإلى طريق المجهول المظلم. فالقوانين واضحة: فالإنسان الذي يصل إلى هذا المستوى فيكون مصيره الموت او الإعدام، لأن خطورة هذه الآفة مروعةٌ وكارثية. وهناك عاداتٌ أخرى أراها في مجتمعنا مستفحلةً وتؤثر بشكلٍ خطيرٍ على تطوره، وقد غيرت عاداته وتقاليده حتى وصلت أخلاقه إلى الحضيض. فمنهم يسرق، ويكذب، ومن يبطش ويتطاول على الاخرين نتيجة ضياع الدولة في هذه المرحلة العصيبة. فتسمع الألفاظ البذيئة منتشرةً بين الناس، رغم أنها مهينةٌ وسيئةٌ ومقيتة ولا تمت لأخلاقنا بصلة، لكنهم لا يستنكرونها لأنها صارت عادة. فالذي يخزن القات يعتبر هذه عادةً طيبةً تدل على الرجولة، فمن لا يخزن لا يستطيع أن يجلس في مجالس الرجال بارتياح. وقد انتشرت هذه العادة السيئة بين الشابات والنساء بشكلٍ صارخ، فأصبح الجميع يستخدمون الشمة ذات الرائحة الكريهة والآثار الصحية الخطيرة ويَعُدونها شيئًا عاديًا لأن أغلب شباب المجتمع يستخدمونها. وكلها تُعتبر عادات. فمن يشرب الكحول يبدأ برشفةٍ في بداية الإدمان، فيصل به الحال إلى حالة سكرٍ حتى الثمالة، فيصير مصدر خطرٍ على نفسه أولاً، ثم على غيره، وعلى أسرته والمجتمع. هل يوجد إحصاءٌ يشير إلى أن أحدًا استخدم هذه العادات السيئة فأصبح مصدر إلهام؟
فكل من يستخدم هذه العادات المذكورة سيكون مصدر شقاءٍ للأسرة والمجتمع، وسيحرم نفسه وعائلته من أبسط حقوقهم التي يجب عليه توفيرها لهم كالأمان والتعليم والراحة الأسرية. فقد يسيء إلى زوجته وأمه وأبيه بشكلٍ لا يصدقه أحد، فيحرمهم من أبسط حقوقهم من رعايته، ويشعرون بالشقاء  وانعدام الأمان في الأسرة ولا يهتم في تعليم أبنائه وتوجيههم. فمن لا يهتم بنفسه، لا يهتم بغيره مهما كان مقربًا إليه. أعتقد أنكم جميعًا توافقونني على ذلك. أعتقد أن المتدينين هم أكثر الناس ابتعادًا عن هذه العادات السيئة، وأكثر إخلاصًا وتفانيًا وضميرًا، ويعملون بصدقٍ للحفاظ على أسرهم، وهم أكثر من يوجهون النصائح للشباب لتجنب هذه العادات السيئة المقيتة ويعارضونهابشدة أعتقد أن الجميع أصبحوا قلقين على الجيل الناشئ، الذي يتحول مع الوقت إلى مجتمعٍ مدمنٍ على كل شيء. فنحن نخاف من التفكك الأسري، الذي سيكون في أسوأ حالاته في المراحل المقبلة نتيجة اقتصاد البلد المنهار، الذي تسيطر عليه قوى ظالمة تأكل كل مصادره المالية، وتلقي بالمجتمع في غياهب الجوع والمرض، فلا تُعطي للتعليم والصحة أي أهمية. فلا أحد يتخيل عدد المدمنين من الأطفال والرجال والنساء في المجتمع، وهذا قد يخلق مناخًا غير أخلاقي ويسوء سلوك الأسرة والمجتمع، ويصبح المحيط خطرًا على الكل دون استثناء. فبسكوتنا هذا، نصبح بمرور الوقت غير حساسين تجاه هذه العادات السيئة التي تدمر مجتمعنا، ولا نتحمل المسؤولية أمام ذلك لأننا نراها طبيعية، فيتبلد الإحساس لدينا، ونفقد كرامتنا وقيمنا ومبادئنا.
الآن، ماذا سنفعل تجاه هذه العادات السيئة المستفحلة في بلدنا؟  أعتقد أن الجميع ينبذها ويكرهها من الأساس، ويتحدثون عنها في مجالسهم واجتماعاتهم بأنها سيئة، لكنهم يعطون الموافقة الضمنية عندما يمارسونها بأنفسهم إرضاء للآخرين. وعندما يقولون إنها سيئة، فهو مجرد هراء؛ فهم أنفسهم مدمنون.
قال البروفيسور ألكسندر بيكر: "المواد الإباحية تنتج مناخًا غير أخلاقي، والمناخ هو المنظم النهائي للسلوك." وقال تعالى: "وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة: 195). تخلَّصوا من العادات السيئة بمحاربتها، وانخرطوا جميعًا في العمل الجماعي للنهوض بالجيل الجديد، لمستقبل أفضل، وتعليمه السلوك القويم، وإبعاده بشكل فوري عما يمارسه آباؤه وإخوته من عادات سيئة يراها الكل أنها عادة لا تُضرُ في مستقبل الأمة.


21 أكتوبر 2025