التهديد بالتعدد قد يُهدد بتدمير البيوت

تتسلل بعض الكلمات إلى البيوت كأنها مزاح عابر؛ لكنها في الحقيقة كالرصاص الطائش؛ تصيب القلب ولا يعود بعدها كما كان. ومن أخطر تلك الكلمات التي بات بعض الأزواج يطلقونها بداعي “الرجولة” أو في لحظة غضب: «سأتزوج عليك».

يظنها البعض أداة تأديب، أو وسيلة ضغط لاستعادة السيطرة؛ لكنها في الحقيقة تهديدٌ صريحٌ يهدم معنى السكن والمودة الذي جعله الله أساس الزواج: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾.

والإسلام أباح التعدد بضوابط دقيقة، وأهداف نبيلة؛ رعاية الضعفاء، وحلّ مشكلات اجتماعية، وتحقيق العدل؛ لكن الشرع اشترط شرطا عظيما قبل الإقدام عليه: العدل ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾؛ فكيف بمن لا ينوي التعدد أصلا، ويستخدم مجرد ذكره كسوطٍ نفسي؟!

وعلم النفس يؤكد: "المرأة لا تمنح حبها إلا لمن تشعر معه بالأمان". والتهديد المتكرر يجعل الدماغ في حالة خوف دائم، فتختفي السكينة ويشتعل القلق؛ إذ يكفي أن يسمع قلبها تلك الجملة مرة واحدة؛ حتى تتزلزل مشاعرها وكرامتها، وتبدأ الظنون تنهش ثقتها بنفسها وبزوجها؛ فالكلمة قد تُقال في ثانية؛ لكن جُرحها يبقى لسنوات!

هناك من يربط الرجولة بالسيطرة والتهديد؛ بينما نموذج الرجولة النبوية يقول: «خيركم خيركم لأهله». والزوج الذي يلوّح بالزواج على زوجته؛ أيّ قوة يباهي بها؟ أهي القوة على كسر قلب أحبه؟ أم القدرة على تهديد امرأة ضحّت لأجله؟ والثقة بالنفس لا تحتاج إلى تخويف الآخرين. والزوج الواثق لا يثبت قدرته بإضعاف زوجته.

والمرأة التي تُهدَّد؛ تفكّر هكذا:

هل أنا غير كافية؟

هل سيتخلى عني؟

هل ستُهدَم أسرتي فجأة؟

فيبدأ الحب بالذوبان، وتخبو رغبتها في العطاء؛ لأن القلوب لا تُفتح تحت التهديد.

فيا أيها الزوج! لوّح بالمحبة؛ لا بالتعدد؛ فالكلمة الطيبة تصنع من الأمان ما لا تصنعه القوة. وقوِّ مكانتك بالثقة؛ لا بالخوف؛ فالمرأة حين تثق بك؛ تمنحك قلبها بلا شروط. ولا تنسَ الفضل بينكم، وتذكر ما قدمته زوجتك في رحلة العمر من تضحية، صبر، تربية الأبناء، ومشاركتك أعباء الحياة. وكن رحيما؛ تكن عظيما؛ فالرجولة ليست في القدرة على إيذاء امرأة؛ بل في القدرة على احتوائها.

ولو قال الرجل بدلا من «سأتزوج عليك»: «دعينا نصلح ما بيننا»؛ لتغيّر مصير بيتٍ كامل.

والخلاصة؛ أن التعدد تشريع إلهي عظيم؛ لكن التهديد به إساءة عظيمة.

والكلمة التي تهدم قلبا؛ قد تهدم معها بيتا، وأبناء، ومستقبلا... فلتكن بيوتنا ميادين سكن ورحمة؛

لا ساحات خوف وترقب.

وختاما؛ اجعل زواجك آية من آيات الله في السكينة؛ لا شاهدا على الجفاء والتهديد!

ودمت، ودام الجميع سالمين!