نهاية أداة
تعيش جماعة الحوثي اليوم لحظة الانهيار الحقيقي بعد أن استنفدت الدور الذي أُنشئت من أجله، وتحولت من ورقة ضغط بيد القوى الدولية إلى عبءٍ ثقيلٍ تحاول تلك القوى نفسها التخلص منه. فبعد سنوات من استخدامها كأداة لتفكيك اليمن وإرباك محيطه الإقليمي، بات الحوثي اليوم يواجه مصيره المحتوم: التآكل من الداخل، وفقدان السيطرة، وتآكل الحاضنة
منذ اندلاع الحرب، لم يكن الحوثي سوى أداة وظيفية في مشروع خارجي أكبر، تحركه أجندات تتجاوز حدود اليمن. لعب دور المزعج المفيد في ملفات المنطقة، من الممرات المائية في البحر الأحمر إلى التوازنات السياسية في الخليج، لكنه لم يكن يوماً صاحب قرار مستقل.
ومع تغير الظروف الإقليمية والدولية، سقط الغطاء الذي كان يحميه، ووصلته الرسالة بوضوح: انتهى الدور.. انتهت اللعبة.
اليوم تعيش الجماعة اليوم واحدة من أكثر مراحلها اضطرابا
الانقسامات تضرب أركانها، بين أجنحتها وصلت إلى أعلى المستويات، وسط اتهامات متبادلة بالفساد، والثراء غير المشروع، والولاء للخارج.
شهود من داخل مناطق سيطرتها يتحدثون عن حالة خوف وتوجس غير مسبوقة داخل الصف القيادي، وعن تصفيات داخلية ناعمة تدار بصمت لتجنب انهيار مفاجئ.
أحد أبرز مؤشرات الانهيار هو التحول العدائي تجاه المنظمات الدولية.
فبعد أن وفر لها الحوثي الحماية والتسهيلات لسنوات مقابل المال والغطاء السياسي، بدأ اليوم يهاجمها علناً، ويتهمها بـ"العمالة والتجسس"، في مشهد يكشف مدى التخبط الذي تعيشه الجماعة بعد أن تخلى عنها داعموها.
المنظمات التي كانت تسهم في إطالة عمر الجماعة عبر الدعم الإنساني أصبحت الآن في مرمى نيرانها، بعد أن أدركت تلك المنظمات حجم الفساد والنهب الذي تمارسه قيادة الميليشيا تحت غطاء العمل الإغاثي.
في المقابل، يتزايد السخط الشعبي في مناطق سيطرة الحوثي يوماً بعد آخر.والمواطنون ضاقوا ذرعاً بسياسات التجويع والجباية، وبحياة الذل التي فرضت عليهم.
حتى القبائل التي كانت تلتزم الصمت أو الحياد بدأت ترفع صوتها رفضاً للظلم، فيما انكشفت حقيقة المجاهدين الذين ضحي بهم في الجبهات بينما يعيش أبناء القيادات في بحبوحة داخل صنعاء.
تلك المفارقة فجرت وعياً جديداً، وأضعفت قدرة الجماعة على الحشد والتجنيد، وفتحت الباب لتمرد داخلي متنام
كذلك لم تعد الدول والمنظمات الدولية تتعامل مع الحوثيين بنفس الزخم السابق. وحتى الأطراف التي كانت تبرر وجودهم بحجة الضرورة السياسية باتت تدرك أن الجماعة أصبحت معرقلاً لأي سلام حقيقي في اليمن.
أما القوى التي استخدمته لسنوات كورقة تفاوض، فهي الآن تسحب يدها منه بهدوء، بعدما تحول إلى عبء يصعب تبريره أو الاستفادة منه.
إنها نهاية الأدوات التي فقدت قيمتها، والحوثي واحد منها.
لقد انتهى دور الحوثي كما انتهت كل أدوات العبث في البلدان الأخرى أمثال حزب الله وغيره .
تآكل من الداخل، وتخلى عنه الخارج، وتحول إلى عبء سياسي وأخلاقي لا يمكن الدفاع عنه.
إنها نهاية جماعةٍ احترقت بورقتها، بعد أن ظنت أنها ستبقى أبدية.
واليمن، مهما طال الليل، قادم نحو فجره الجمهوري الحر.


