بين شروق مصر وجراح اليمن

بينما كانت عيون العالم تتجه إلى مصر وهي تفتح بوابة جديدة للمجد عبر المتحف المصري الكبير، شعرت أنني لا أشاهد افتتاح صرح أثري فحسب، بل أرى أمة تعيد كتابة قدرها. هذا الإنجاز ليس مجرد حجر وزجاج وتحف، بل هو إعلان صريح بأن الحضارة التي صنعت الأهرامات لا تزال قادرة على أن تتصدر المشهد وتدهش العالم. مصر اليوم لا تستحضر الماضي لتتغنى به، بل لتبني عليه وتقول إن الشعوب العظيمة تعرف كيف تنهض مهما تعثرت، وكيف تحافظ على إرثها وتمنحه حياة جديدة. هي درة التاريخ وراعية المجد، ومثال على أن الإرادة حين تجتمع مع القيادة والرؤية تتحول الأحلام إلى واقع باهر.

وفي اللحظة التي امتلأ فيها القلب فخرًا بمصر، انقبض بنبضٍ موجوع على وطني اليمن. هناك، حيث الحضارة ضاربة في جذور الأرض، يئن شعب أنهكته الحروب وفتكت به الصراعات. وطنٌ كان يومًا منارة الحكمة وقلعة الإيمان ومهد القوة العربية، صار اليوم واقفًا على حافة الألم، لا يعرف أين يبدأ الطريق ولا كيف يعود إليه الفرح. عشر سنوات وأكثر واليمن يعيش ضياعًا مريرًا، لا تنتصر فيه الدولة ولا يرحل شبح الحرب، الساسة يتصارعون على كراسٍ واهية، والشعب يسقط تحت أثقال الوجع والجوع والخذلان، يبحث عن بارقة أمل فلا يجد إلا غبار الصراعات وضجيج الطمع.أسأل قادة المشهد اليمني: أما آن لضمائركم أن تستيقظ؟ أما تعبتم من تقطيع أوصال وطنكم؟ ألا يمل قلبكم من رؤية وطن ينهار وأجيال تضيع؟ اتقوا الله في أرضٍ باركها الأنبياء، وفي شعب لم يطلب إلا حقه في حياة تحفظ كرامته وتليق بتاريخه المجيد. اليمن ليست غنيمة، وليست ساحة لتصفية الحسابات. اليمن وطن، ومن لا يدرك قيمة الوطن لا يستحق أن يعيش على أرضه أو يتحدث باسمه.أما الشعب اليمني، يا أبناء المجد والسبئية والعروبة والإيمان، فتمسكوا بالأمل، وواصلوا حمل راية الصبر، لأن الشعوب العظيمة لا تنكسر. سيعود اليمن، وسيُكتب الفجر لهذه الأرض كما كُتب لمصر، وستنهض من تحت الركام أمة تعيد للعالم دهشته، لأن اليمن لا يموت، ولأن الله لا يترك شعبًا طاهر القلب مهما طال الليل.تحية لمصر وهي تصنع نهضتها، ودعاء لليمن أن يبزغ فجره قريبًا ويستعيد مكانه بين الكبار.