الديمقراطية... كذبة مرة
بقلم ا.د. سمير الشرجبي
أكاديمي يمني
الديمقراطية كلمة جميلة في ظاهرها، تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، لكنها في واقعنا العربي كانت الفخ الأكبر الذي استُخدم لتدمير أوطاننا من الداخل.
فبينما كانت الشعوب تحلم بالحرية والعدالة، كانت جماعات الإسلام السياسي تُعدّ نفسها لاستغلال هذا الحلم وتحويله إلى وسيلة للسيطرة على الشارع والسلطة.
هذه الجماعات لم تؤمن يومًا بالديمقراطية، بل بالسمع والطاعة والولاء الأعمى للشيخ أو المرشد. داخلها لا مكان للعقل أو النقد أو الحوار، بل فكر مغلق يقدّس القيادة ويرى في مخالفتها كفرًا أو خيانة. هكذا تربّت أجيال على أن الطاعة للجماعة أهم من الولاء للوطن، وأن القتل باسم العقيدة “شهادة”، وأن القائد هو من يمثل إرادة الله في الأرض.
وبدعم سياسي ومالي وإعلامي من قوى خارجية، دُفعت هذه الجماعات إلى واجهة المشهد تحت شعار “التغيير الديمقراطي”، بينما كانت في حقيقتها تحمل مشروعًا لتفكيك الدولة لا لإصلاحها.
كانت الجيوش الوطنية هي الهدف الأول، لأن إسقاطها يعني إسقاط الدولة نفسها. ومع كل بلدٍ انهار، تمددت القوى الإقليمية والدولية، وتحوّلت حدودنا إلى ساحات نفوذ وصراعات بالوكالة.
الإعلام الممول من الخارج لعب دوره الكامل في المعركة.
قناة الجزيرة كانت الصوت الأبرز، من إمارة لم تعرف الديمقراطية يومًا لكنها نصّبت نفسها وصيًّا عليها في أوطان الآخرين. تأسست بروحٍ وتدريبٍ مستوحى من مؤسسات إعلامية غربية، لتكون المخلب الناعم الذي يخاطب الجماهير ويحرّك مشاعرهم ويوجّه وعيهم. كانت الأداة التي دخلت كل بيت عربي، تبث الأمل الزائف وتشعل الغضب وتدفع الناس إلى الشوارع، بينما من يحرك الخيوط بعيدًا، في عواصم تُدار منها حروب الأفكار والفوضى.
وفي الوقت ذاته، جُهّز جيش آخر على الأرض: منظمات المجتمع المدني المموّلة والمدرّبة في الخارج تحت شعار “دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان”. كثير منها تحوّل إلى أدوات ضغط وتحريك سياسي لإسقاط الأنظمة وإضعاف مؤسسات الدولة.
وانضمت إليها أحزاب وطنية فقدت حضورها وقوتها، فصارت تابعة للأحزاب الدينية، سواء للإخوان أو لجماعات إيران، مستخدمة شعارات المقاومة وفلسطين لتغطية ولاءاتها وتحالفاتها.
النتيجة كانت واضحة: دول تمزقت، جيوش ضعفت، ثروات نُهبت، ملايين شُرّدوا، وأصبحت السلطة في يد من يحمل السلاح أو يملك التمويل والدعم الخارجي.
تحولت الديمقراطية إلى أداة تسلّم الوطن غنيمةً بيد الجماعات المتطرفة، تعبث به وتبتز الشعب ومقدراته، وتحرمه من حريته، وتتحكم به بحجة أنها هي من حررته.
الحمد لله أن مصر نجت من هذا المصير بفضل جيشها العظيم وشعبها الواعي الذي أدرك باكرًا أن سقوط الدولة يعني نهاية الجميع. وكذلك دول الخليج التي حافظت على استقرارها بحكمة قادتها ووعي شعوبها.
نحن لا نرفض الحرية ولا العدالة ولا المساواة، بل نرفض الكذب باسمها.
نريد دولة قوية تحكمها القوانين لا الشعارات، وتحميها الجيوش لا الميليشيات، ويعلو فيها صوت الوطن فوق صوت الحزب والشيخ والطائفة.
فالديمقراطية الحقيقية ليست صندوقًا يُفتح كل أربع سنوات، بل وعيٌ ومسؤولية ومؤسسات تحمي الجميع.
وقبل أن نحلم بها، علينا أن نبني الأرض التي يمكن أن تنبت فيها بحق.


