من يدق الماء؟ ومن يصنع السم؟ قصة اليمن التي لم تُروَ بعد!
في بلد كاليمن، لا تموت الشعوب بالرصاص وحده، بل بالوهم، بالخوف، بالإيحاء الذي يزرعه صناع السموم الحقيقيون في عقول الناس وقلوبهم. نحن لا نموت لأن السم بلغ أجسادنا، بل لأن عقولنا امتلأت برعب مصطنع، وصور مشوهة، وخصومات مفتعلة، ودماء تسفك على مسرح كُتبت أحداثه في غرف بعيدة.
هناك حكاية رمزية تختصر حال اليمنيين اليوم: رجلان صناع علاج، كل منهما تحدى الآخر أن يصنع له سماً قاتلاً. أحدهم انشغل بصنع مكونات الموت الحقيقي (السم الحقيقي) ، والآخر بدأ يدق الماء في "المدق" بقوة، حتى رج القرية بصوت مدوي. لم يكن يدق إلا الماء، لكن صدى فعله أشاع الرعب، وأقنع غريمه أن خلف هذا الصوت قوة خارقة ومصيبة قادمة.
فجاء يوم التحدي، فشرب كل منهما ما صنعه الآخر، فمات من شرب الماء المدقوق، وبقي من شرب السم... لأن الأول مات بخوفه لا بالسم.
وهكذا نحن في اليمن، نموت كل يوم برعب الإيحاء. تمتلئ عقولنا بفكرة أن هذا الطرف شيطان، وأن الآخر عميل، وأن هذا خائن، وأن ذاك القائد مشروع كارثة. تسقيهم وسائل الإعلام، ومنابر الأحزاب، وخطابات الكراهية، على شاشات التواصل، جرعات السم النفسي حتى نشل عن التفكير.
وكل هذا، في النهاية، يدار من مكان واحد، من عقل واحد، من غرفة واحدة، تتحكم بكل "اللاعبين". هؤلاء الذين يظهرون أعداء في العلن، قد يجلسون في الغرف المغلقة ضاحكين، شركاء في تقسيم وطن وتمزيق شعب.
العدو لم يعد من يرفع عليك السلاح فقط بل من يضع فيك الوهم، ويزرع حولك الأسوار، ويقنعك بأنك محاصر، بأنك مهدد، بأنك بلا خيار.
نحن لا نحتاج إلى المزيد من الخنادق، بل إلى نوافذ نرى بها الحقيقة. نحتاج إلى أن نسأل: من يدير من؟ من يقاتل من؟ ولماذا؟ ومن المستفيد؟
من حق هذا الشعب أن يعرف من "يُدق الماء" ليرعبه، ومن يصنع له السم الحقيقي ليموت وهو يصفق له.
كفى عبثاً، فاليمن لا تحتمل المزيد من التجارب السامة.
يا شعباً كان يضرب به المثل في الثبات،بيوم وليلة تصبحون شيعة، وبيوم ثاني سنة، وبعدها جمهورين، ثم أماميين، ثم تركضون خلف الإيرانيين، وتصفقون للأتراك، وتتباهون بالخليجيين!
ما الذي أصابكم؟!
هل بعتم عقولكم في مزاد السياسة؟ أم سلمتم قلوبكم لمن يصرخ أعلى؟
يا قوم أنتم لستم ملعباً لكل لاعب، ولا سلعة في سوق المذاهب!
من متى صار الإيمان عندكم يتبدل مع موجة إعلامية؟
ومن متى صار الانتماء للوطن يقاس بعدد التغريدات والولاءات العابرة؟
بالأمس كنتم إخوة، واليوم تتناحرون كأعداء، وغداً — حين تصفى الحسابات — ستعودون أحباباً تتباكون على وطن لم تبقوا منه حجراً على حجر!
أين نخوتكم؟ أين يمنكم؟
هل أصبحتم نسخاً مكررة من عقول الآخرين؟
تارة تتكلمون بلسان طهران، وتارة بعقل أنقرة، وتارة بأموال الخليج!
يا ناس، اليمن لا يريد منكم لا تشيعاً ولا تسنناً ولا جمهوراً ولا إمامة،
اليمن يريد ان تكونوا يمنيين حقيقيين فقط .
ارجعوا لعقولكم يا ناس!
الوطن مش بحاجة شعارات، الوطن بحاجة أفعال!
ابدوا بإصلاح وطنكم، ومن يشتغل للوطن كونوا معه، شجعوه، وسهلوا له، والتفوا حوله.
شجعوا كل مدرسة تبنى، وكل طريق تشق، وكل مستشفى يقوم
لا تهاجموهم، بل ساندوهم، فالوطن ما يقوم إلا بتكاتف أبنائه.
كفى تخوين، وكفى مزايدات، اللي يحب وطنه يبرهن بعمله مش بكلامه.
اليمن ما تحتاج إلا صدقكم ووحدتكم والباقي بيجي من الله
عودوا ليمنكم… قبل أن يصبح مجرد اسم في خرائط التاريخ،
قبل أن يكتب عنكم أولادكم يوماً:
كان هنا وطن ضاع بين الولاءات.


