"عدن مدينة تبحث عن استقرارها المفقود"

بقلم: شفاء سعيد باحميش 

تمضي الأيام في عدن وسط تحديات متراكمة باتت ترهق حياة الناس وتؤثر في تفاصيل يومه البسيطة. من أزمة الكهرباء إلى تدهور الخدمات وغلاء المعيشة يعيش المواطن بين الأمل والإحباط ينتظر تحسن طال انتظاره ويبحث عن بصيص أمل يعيد لهذه المدينة وجهها الجميل الذي عرفته الأجيال.

لقد أصبح الراتب اليوم رغم تواضعه الوسيلة الوحيدة التي يصمد بها المواطن لكنه لم يعد منتظم كما كان إذ بات يتأخر لأربعة أو خمسة وربما ستة أشهر  الأمر الذي فاقم معاناة الأسر وأربك حياتهم اليومية  ومع كل تأخير تتضاعف الأعباء وتكبر الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة بينما يظل المواطن يحاول التكيف بصبر وواقعية مع وضع لا يحتمل مزيد من الانتظار.
ما تمر به عدن اليوم ليس مجرد أزمة خدمات بل حالة عامة من الارتباك في إدارة شؤون المدينة تتقاطع فيها المسؤوليات والجهود المختلفة فالجميع يعمل في ظروف صعبة والقدرات محدودة  لكن المواطن يظل ينتظر أداء أكثر فاعلية وتنسيق بين الجهات الرسمية والخدمية لتخفيف معاناته.
وفي هذا الإطار تأتي خطة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي أقرها مجلس القيادة الرئاسي كخارطة طريق طموحة تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي وتخفيف العبء عن المواطنين  إلا أن نجاح هذه الخطة يعتمد على التطبيق الفعلي وضمان وصول أثرها إلى حياة الناس اليومية  خصوصا في ظل تأخر الرواتب وغلاء المعيشة وتراجع الخدمات الأساسية فالمطلوب ليس مجرد إعلان الإصلاحات  بل متابعة دقيقة وتنفيذ متتابع يراعي ظروف الأسر ويخفف معاناتهم  ويجعل المواطنين يشعرون بأن السياسات الاقتصادية ليست بعيدة عن واقعهم بل تمس حياتهم مباشرة.
ورغم هذا الواقع المعقد  تبقى عدن مدينة صامدة بروح أهلها وبمبادرات شبابها ومجتمعها المدني  الذين أثبتوا مراراً أن العطاء لا يتوقف حتى في أحلك الظروف فالعديد من المبادرات المحلية نجحت في ترميم مدارس، وتنظيف شوارع ومساعدة الأسر المحتاجة في رسالة واضحة بأن الإرادة يمكن أن تصنع فرقا مهما كانت الصعوبات.

نحن بحاجة أن تُترجم الوعود إلى أفعال وأن تتكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية في مسار واحد يخدم الناس قبل أي شيء  ومن المهم أن يكون هناك خط تواصل واضح ومستمر بين المجتمع والجهات في السلطة  فالتفاعل المباشر مع المواطنين يساعد على فهم احتياجاتهم الحقيقية  ويجعل القرارات والسياسات أكثر قربا من الواقع وأقدر على تحقيق أثر ملموس.

فالمدينة لا يمكن أن تنهض دون شراكة حقيقية تقوم على الثقة والتواصل والاحترام المتبادل  عدن ليست مسؤولية جهة بعينها  بل مسؤولية الجميع حكومة، وسلطة محلية، ومنظمات، ومواطنين.

المدينة التي احتضنت الجميع تستحق أن تُعامل بالاهتمام والرعاية التي تليق بها. وأن يُعاد إليها الأمان والاستقرار والخدمات التي تضمن حياة كريمة لأهلها.

عدن لا تحتاج سوى إدارة صادقة وتنسيق فعّال. ونوايا حسنة تضع مصلحة المواطن أولا  حينها فقط يمكن أن نبدأ صفحة جديدة تُعيد الثقة وتمنح الأمل.

لا يمكن لأي خطة أو مشروع أن ينجح إذا لم تُؤخذ حياة الناس وظروفهم اليومية بعين الاعتبار. فالنظر إلى هموم المواطنين وفهم احتياجاتهم الحقيقية هو السبيل الوحيد لبناء عدن مستقرة، آمنة، وحاضنة للجميع.
شفاء سعيد باحميش