تأملات في رسالة: الاستقرار الأمني وأثره على النمو الاقتصادي في اليمن” للباحث : سند محمد الميسري .
بقلم: أ. عبدالعزيز الحمزة
لقد كان من دواعي الشرف والاعتزاز وسعادتي البالغة أن أحضر مناقشة هذا البحث العلمي المتميّز، بعد الدعوة الكريمة التي وجهها لي الأخ العزيز العميد الركن سند محمد أحمد الميسري. لقد غمرني حضور هذه الجلسة شعور حقيقي بالفخر، ليس فقط بالمستوى الرفيع الذي ظهر عليه الباحث، بل أيضًا بقيمة البحث، ونوعية النقاش، وجدية الطرح، وعمق الرؤية التي لمسناها خلال العرض والمراجعة العلمية.
لقد كانت المناقشة حدثًا أكاديميًا يستحق الإشادة، ويمثل نموذجًا يُحتذى به في العمل البحثي العسكري–الاستراتيجي الذي يتوافق مع احتياجات اليمن في المرحلة الراهنة، ويؤكد المكانة العلمية الرفيعة التي باتت تتمتع بها كلية الدفاع الوطني، والتي أثبتت أنها رافعة حقيقية لإعداد قادة يمتلكون الفكر والرؤية، وليس فقط الخبرة الميدانية.
ولذلك فإن هذا البحث، بمضمونه، ومنهجيته، وأدواته، ونتائجه، يستحق أن يُنظر إليه بوصفه رسالة أكاديمية ثرية في مجال الأمن القومي والتنمية الاستراتيجية، لما يحمل من قيمة علمية ومعرفية، ولما يقدّمه من حلول عملية قابلة للتطبيق.
يمثل هذا البحث نموذجًا متقدمًا في الربط بين الاستقرار الأمني والنمو الاقتصادي، وهو الربط الذي تتعامل معه اليوم أكبر الدول ومراكز الدراسات في العالم بوصفه جوهر الأمن القومي الحديث.
لقد قدّم الباحث إطارًا نظريًا عميقًا وتحليلًا واقعيًا دقيقًا للوضع اليمني، باعتبار اليمن دولة تقع في قلب المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط، وتتحكم بعقدة استراتيجية هي:
البحر الأحمر
خليج عدن
باب المندب
خطوط التجارة والطاقة العالمية
وهو ما يجعل الاستقرار الأمني اليمني ضرورة إقليمية ودولية، وليس فقط مطلبًا وطنيًا.
إن الطرح العلمي الذي قدّمه الباحث يعكس فهمًا ناضجًا لعلاقة الأمن بالاقتصاد، وللمتغيرات الإقليمية، وتهديدات الشرق الأوسط، بما فيها صراعات النفوذ، وحرب الممرات البحرية، وحرب المياه، ما يعكس قدرة عالية على التحليل الاستراتيجي العابر للقطاعات.
وبهذا، فإن البحث يرتقي في بنائه إلى مستوى رسالة تُثري المكتبة العسكرية اليمنية والعربية.
لقد وضع الباحث إطارًا شاملًا لمعالجة الأزمة اليمنية، ويمكن إعادة صياغة هذا الإطار في ثلاث استراتيجيات جوهرية تشكّل رؤية وطنية لبناء الدولة:
الاستراتيجية الأولى: الاستراتيجية الأمنية
(نحو توحيد القرار واستعادة مؤسسات الدولة)
وهي استراتيجية تركز على:
توحيد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تحت قيادة مركزية.
إعادة هندسة مؤسسات الأمن القومي بما يتناسب مع التهديدات الحديثة.
تطوير منظومات الاستخبارات والأمن الداخلي.
حماية الممرات البحرية وتعزيز القدرات البحرية اليمنية.
مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وشبكات التهريب.
هذه الاستراتيجية تضع حجر الأساس لبناء دولة قادرة على فرض الأمن والاستقرار، وهو ما اعتبره الباحث شرطًا للنمو الاقتصادي.
الاستراتيجية الثانية: الاستراتيجية الاقتصادية
(من اقتصاد الحرب إلى اقتصاد الدولة)
ويرى الباحث – بدقة – أن اليمن لا يمكن أن ينهض دون:
إعادة إعمار البنية التحتية
استعادة إنتاج النفط والغاز والصادرات
تشغيل الموانئ والمطارات
تنشيط الزراعة والصيد البحري
خلق بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية
توحيد السياسة المالية والنقدية
وهذه الرؤية الاقتصادية ليست وصفًا، بل خريطة طريق واضحة لانتقال اليمن من اقتصاد متآكل إلى اقتصاد استراتيجي.
الاستراتيجية الثالثة: الاستراتيجية السياسية والاجتماعية
(مصالحة وطنية – شرعية مؤسسية – حكم رشيد)
وتشمل:
بناء توافق وطني لإنهاء الانقسام السياسي.
تفعيل مؤسسات الدولة الشرعية على كامل الأراضي اليمنية.
إصلاح القضاء ومكافحة الفساد.
تعزيز مفهوم الدولة ليكون فوق الجماعات.
بناء علاقة ثقة بين المواطن والدولة.
إعادة دمج المجتمع في مشروع وطني جامع.
هذه الاستراتيجية تمثّل أساس الأمن الاجتماعي الذي لا تنفع بدونه أي حلول أمنية أو اقتصادية.
لقد أثبت العميد الركن سند محمد أحمد الميسري قدرة معرفية واستراتيجية رفيعة، جعلت من هذا البحث إضافة نوعية في مجال الأمن القومي، ومرجعًا يمكن أن يُعتمد عليه في بلورة سياسات وطنية حقيقية.
كما أثبتت كلية الدفاع الوطني أنها مؤسسة قادرة على إنتاج قادة مفكرين، يجمعون بين الخبرة العسكرية والوعي السياسي والاستراتيجي، في لحظة استثنائية تحتاج فيها اليمن إلى رجال دولة يمتلكون الفكر إلى جانب الشجاعة.
إن الأكاديمية العسكرية اليمنية بهذا المستوى من البحث والعطاء تؤسس لمرحلة جديدة من تطوير الفكر العسكري اليمني، وتحويله من عقلية رد الفعل إلى عقلية التخطيط الاستراتيجي والاستشراف المستقبلي
إن هذا البحث ليس مجرد دراسة أكاديمية، بل وثيقة استراتيجية تقدم رؤية اولة تؤسس لبناء الأمن القومي اليمني على أساس:
أمن مستقر
اقتصاد منتج
سياسة رشيدة
دولة موحدة
مجتمع متماسك
وهو ما يجعل منه بجدارة بحثًا بمستوى رسالة تاسيسية يمكن اثرائها لتسهم في إغناء النقاش الوطني حول مستقبل اليمن، وفي صياغة سياسات قادرة على إخراج البلاد من نفق الصراع نحو فضاء الدولة المستقرة.
✍️ عبدالعزيز الحمزة
وكيل محافظة أبين لشؤون قطاع الخدمات
الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥م


