بعد 31 أكتوبر على الجميع أن يكون مسؤولا
بقلم الكاتب الصحافي عبدالله العبادي
المختص في الشؤون العربية والإفريقية
لا يمكن فهم مطالب المرحلة دون الرجوع إلى جملة المشكلات والتحديات التي صاحبت ولازمت الممارسة السياسية في العقود الأخيرة، والتي أفرزت ما نحن عليه اليوم من تأخر في بناء الدولة الديمقراطية التي تستند إلى أسس ومبادئ العدالة الاجتماعية وتمنحها القدرة على استيعاب التعددية الثقافية والفكرية والسياسية وتحويلها، والاستفادة منها كمصدر قوة وغنى بدلا من جعلها تكون مصدر تضاربات ومصالح ضيقة.
إن مغرب ما بعد 31 أكتوبر لن يكون هو نفسه مغرب ما قبل التاريخ، كما قال ملك البلاد حفظه الله، وهي رسالة واضحة للقائمين على الشأن السياسي، الذين تاهوا في متاهات المصالح الحزبية والشخصية. أولئك الذين لا يهتمون إلا بالمقاعد البرلمانية والدفاع عن مصالح النخب السياسية والبحث عن الحقائب الوزارية بعيدا عن المصالح العليا للوطن.
الأزمة اليوم أكثر من مجرد إضراب أو مظاهرات شعبية، إنها أزمة "معنى الممارسة السياسية"، إنها لحظة تنهار فيها بعض المعايير المعتادة وتتوقف فيها بعض المعتقدات الخاطئة حول بعض الأحزاب أو المؤسسات أو الأشخاص. كما تفشل فيها بعض التكهنات وتصبح التوقعات غير مؤكدة في الفعل الحقيقي للبعض.
فكان الخطاب التاريخي لملك البلاد، يحمل الكثير من الدلالات عن مغرب الغد، عن المغرب الذي ينتظره الملك والشعب، والذي عطل فيه الكثير من المنتخبين قطار التنمية، وحان الوقت ليكون الكل مسؤولا أمام الله وأمام الوطن وأمام الملك. المملكة ظلت شامخة لقرون بفضل تضحيات أبناءها الشرفاء الذين دافعوا بشراسة عن كل شبر من هذا الوطن الشريف، فكيف لبعض المتهورين أن يعثوا فسادا في مجتمعنا؟
بعض الزعماء السياسيين الشعبويين لهم طرقهم الخاصة في إثارة قلق الناس والركوب على القضايا الوطنية والأجنبية، وتحريك مشاعر البعض من الناس والاستثمار في بؤسهم الاجتماعي ونقص فكرهم السياسي، وتحويل ذلك لمناخ جذاب للفتنة والقلق، وهم بذلك يشكلون جزء من مشاكل المجتمع ومآسيه وليسوا جزءا من الحل.
إنهم يسعون دوما لتقسيم المجتمع إلى مجموعات متضادة عموديًا، أي المجتمع ضد النخب الفاسدة كما يزعمون، وأفقيًا المجتمع دائما ضد الآخر المشبوه. فقد كانت جل النخب السياسية بمختلف مكوناتها تسعى إلى تعكير الاستقرار ونشر نعرات الفوضى، مما يثير مشاعر الغضب والخوف من المجهول لدى عامة الناس، ويدخلهم في شك مريب. كما أن الشعبوية لها طابع أخلاقي متدني. وكأنهم في الأصل أشرار ومتآمرين على الشعب، ويفتقدون أدنى وازع أخلاقي، مما يدفع بالناس إلى التشكيك فيهم ويدخلون في دوامة المشاعر السلبية التي تتحول مع الزمن إلى كراهية قوية للسياسيين وللسياسة.
يقول جان بيار دولي، الباحث في علم النفس الاجتماعي، إنّ "أشخاصًا عديدين يبدون طيّبين ومُسالمين ومحترمين في الحياة العادية إلى حين وصولهم إلى السلطة. حينها تظهر كلّ عيوبهم، ليس لأن السلطة تغيّرهم، بل لأنها تعطيهم هامشًا هائلًا ومساحةً لا عقلانيةً للكشف عن كلّ أمراضهم النفسية".


