حضرموت.. تغيّر المشهد وبقيت الرؤية مُغبَّرة!!

لابد أن نتّفق على أن ما حدث في حضرموت كان متوقعًا، وأزعم أنني واحد ممن حذّروا ونبّهوا إلى ذلك، تصريحًا وتلميحًا، في أكثر من مقال وتغريدة. فما أحدثه حلف قبائل حضرموت أغضب قوى إقليمية وربما أثار قوى دولية.. فهذا الحلف ذو البنية الاجتماعية والأهداف الوطنية لم يأتِ من فراغ تاريخي، منذ سيناريو إسقاط سيئون بسيارة "لاند روفر" تحمل فيصل علي العطاس (النعيري) وفوقها ماسورة على شكل مدفع أواخر عام 1967، بعد انقلاب جيش البادية الحضرمي واستيلائه على المكلا بإمرة المستشار البريطاني في سبتمبر من ذلك العام، ومحاصرة السفينة "مريم ب" التي كان على متنها سلاطين حضرموت الذين رُحّلوا إلى الجهة التي قدموا منها، أي جدة في المملكة العربية السعودية، تنفيذًا لقرار بريطاني استراتيجي لوقف تطور العلاقات الحضرمية–السعودية إلى مستوى تحالف استراتيجي يربط سواحل بحر العرب، وبالتالي المحيطات الثلاثة (الهندي فالهادئ شرقًا، والأطلسي غربًا)، وذلك قبل الانسحاب من عدن في 30 نوفمبر 1967.

وما أشبه سقوط سيئون بماسورة "النعيري" بسقوطها اليوم بعد 56 سنة، بالسيناريو البريطاني ذاته مع اختلاف الأدوات. والهدف واضح: إحياء الطوق البريطاني من باب المندب إلى الأحمدي–الكويت، فالعراق. فهل هو انتقام بريطاني من اتفاقية الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت على الطرّاد "كوينسي" في البحيرات المرة عام 1945؟ تلك الاتفاقية التي وصفها تشرشل بلدغات ثعبان وُضع بين ظهره وملابسه، متهمًا حليفه روزفلت بذلك.

ما أشبه اليوم بالأمس مع فوارق القوة والتطلعات والأدوات، على ألا نأخذ الأمر بمنطق الانكسار. فحضرموت اليوم ليست حضرموت 1967، والخيارات أمام الحضارم متعددة، إذا ما استمرّت الأدوات البريطانية في محاولة تنفيذ الاستراتيجية القديمة لبريطانيا في زمن أصبحت فيه السعودية قوة مؤثرة في العلاقات الدولية، لا توازي بريطانيا فحسب، بل وتتجاوزها في حسابات المصالح والاستراتيجيات المتناطحة. فضلًا عن أن العالم يقف أمام مشروع "الشرق الأوسط الجديد" في مؤسسات صنع القرار السعودي، وهو مشروع ربما وجد قبولًا لدى قوى أخرى.

وإذا ما حلّلنا المشهد سنكتشف أن الجسم كله ليس مريضًا كما يحاول البعض تصويره، بل إن المرض في مكان محدد، وعلاجه يتطلب البتر- نعم البتر- الذي يستلزم إدراكًا حضرميًا ووحدة حضرمية جغرافية وديموغرافية واضحة الأهداف. وهذا لن يتحقق دون دور واضح وفعّال لبعض القوى اليمنية الحيّة مع حلف قبائل حضرموت والمكونات السياسية على مستوى إقليم حضرموت، وبدعم وغطاء سعودي واضح التوجه تجاه حضرموت القادمة، سواء كانت خارج إدارة اليمن القادم أو شريكة فيه. فبهذا فقط نعبر هذه النتوءات. ففي النهاية، حضرموت أكبر وأهم من دول القوس البريطاني بأكمله.

أعرف أن هناك من سيقول: ما حاجتنا لاستجرار التاريخ؟
وأقول له : عليك ترتيب أفكارك. فالتاريخ والجغرافيا يقولان إن اليمن-بوصفه جهة جغرافية ودولة- يمثل مجالًا حيويًا للمملكة العربية السعودية على وجه العموم، وحضرموت رأس جسر استراتيجي لدولة كبرى في المنطقة والعالم.. ولا أظنها تقبل بتغيير المشهد أو إثارة الغبار والعواصف الترابية لإخضاعها للمساومة. ففي النهاية تبقى الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ ركائز القوة لتشكيل مستقبل الجزيرة العربية.