قناديل في الظلام: ناصر صالح بن جبران، من رواد العلم في مديرية الوضيع
كتبها: حسين السليماني الحنشي
في منطقة تفتقر إلى نور العلم، حيث تسود الأمية ويغيب التعليم، يبرز طالب العلم كالشعاع في ظلام حالك. يسعى للحصول على المعرفة في مجتمع يعاني من الأمية، ويواجه تحديات صعبة فرضتها الحياة المليئة بالعقبات، لكن هناك شخص متميز وزملاؤه كأنهم قناديل نادرة في مديرية الوضيع، ومن بينهم طالب العلم ناصر صالح بن جبران، الذي يعد من أوائل الجامعيين في المنطقة.
إنه الشاب النشيط والحيوي الذي لم يفوت أي فرصة للتعلم، فهو يبحث عن المعرفة في كل مكان، رغم الظروف الصعبة التي عاشها وعاشت فيها عائلته. كان يقرأ كل ما يقع تحت يده، ويستمع إلى الدروس وكأنه يستمد من نهر عذب لا يريد الابتعاد عنه، يستفيد من الحكمة التي تمثل غاية الساعين نحو المعرفة، ويتبادل الأفكار مع زملائه.
كان يدرك أن العلم هو السبيل الوحيد لتحسين حياته وحياة مجتمعه، ورفع مستوى مديريته إلى القمة. يعمل بجد، ويضحي بالوقت والجهد لتحقيق هدفه. يعلم أن طريق العلم الذي يسلكه ليس سهلاً؛ لأنه من أبناء الريف، ولم يكن بالقرب من المدارس والمكتبات، لكنه مستعد لمواجهة التحديات.
إن طالب العلم الذي يشبه الزهرة التي تنمو في الصحراء، رغم كل ما حولها من العقبات المتعددة، فهو رمز الأمل، ونجم يضيء في السماء. لذا، يجب علينا اليوم تقدير هذا الشخص ومن معه، الذي يُعتبر من أوائل الجامعيين في مديرية الوضيع، وكان من المتفوقين في المراكز الأولى على دفعاته.
كان المكان هو مدينة الوضيع، مركز المدينة. وُلِد ناصر صالح بن جبران في عام 1948م في أسرة عريقة ذات مكانة اجتماعية على الصعيدين الاجتماعي والقبلي. في هذه المدينة، تم تأسيس أول مدرسة في المديرية، والتحق بالدراسة الابتدائية في عام 1956م، ثم المتوسطة عام 1960م. في زنجبار، عاصمة السلطنة الفضلية، التي تُعتبر اليوم عاصمة محافظة أبين. حتى عام 1963م، أكمل دراسته الثانوية في مدينة الشعب بعدن، حيث كان من زملائه فريد مجور وزير الزراعة، وعبدالله مثنى حسين، وعلي أسعد مثنى. وقد سبقهم في هذا الصرح التعليمي كل من سالم ربيّع علي (سالمين) رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في عدن، ومحمد علي هيثم، رئيس الوزراء الأسبق في الجنوب، وآخرون.
بعد انتهاء دراسته الثانوية، التحق بكلية الاتحاد في عدن عام 1979م. وفي عام 1983م، سافر إلى الكويت لمتابعة دراسته، حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا في التخطيط والتنمية. وفي عام 2009م، حصل على دبلوم كفاءة في اللغة الإنجليزية، وفي عام 2010م نال درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة عدن.
أما بالنسبة لمناصبه، فقد عمل كمدرس في مدرسة مودية الإعدادية عام 1966م، وفي عام 1968م، شغل منصب مساعد مأمور مديرية الوضيع في الحكومة الأولى. وفي عام 1972م، تم سجنه وحكم عليه بالإعدام، لكن تدخلت إرادة الله وأنقذته من هذا المصير بوساطة الرئيس علي ناصر محمد.
فيما يتعلق بمناقب الأستاذ ناصر صالح بن جبران، فقد حصل على المركز الأول في الثانوية العامة وتقلد ميدالية التفوق العلمي، وتم تكريمه في عيد العلم عام 1978م بعد خروجه من السجن. كما حصل على المركز الأول في دراسته الجامعية في عدن ضمن الدفعة السادسة، وتقلد ميدالية التفوق العلمي وتم تكريمه في عيد العلم عام 1982م وعندما التحق بالمعهد العربي للتخطيط في الكويت، حصل مرة أخرى على المركز الأول عن رسالته التي كانت بعنوان "المشكلة الغذائية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية". بعد ذلك، عمل في وزارة الزراعة، حيث سافر إلى الهند لشراء محلج القطن في مدينة "الكود" عام 2004م، ونجح في مهمته بشكل كبير، وبرز في مجال الزراعة من خلال إطلاق العديد من المشاريع الزراعية الناجحة كأحد أبرز الموظفين في هذا المجال. عمل في دلتا أبين واستقبل العديد من القيادات، وكان آخرهم رئيس الوزراء "بحاح" عندما كان يشغل منصب مدير عام هيئة تطوير دلتا أبين. وفي عام 2013م، صدر قرار من رئيس الوزراء بتعيينه مديراً تنفيذياً لصندوق إعمار أبين.
في عام 2017م، أصبح المدير التنفيذي للجنة أبين التعاونية، واستمر في هذا المنصب حتى عام 2020م عندما تم إنهاء خدماته بقرار تعسفي من السلطة المحلية، مخالفاً لقانون التعاون رقم (39) الذي ينص على استقلالية لجنة أبين مالياً وإدارياً وإدارتها من قبل مجلس إدارة منتخب من المزارعين. لا يزال يتمتع بالحيوية والنشاط، كما يمتاز بصفات أخلاقية عالية، فهو من عائلة كريمة تحظى بالاحترام والتقدير من قبل الناس. ناصر صالح بن جبران هو قصة نجاح تستحق السرد، وشمعة أضاءت في ظلام الجهل. إنه رمز للعزيمة والإصرار، وطموح لا يعرف المستحيل. نتمنى له دوام التوفيق والنجاح، وأن يبقى مصدر إلهام لشباب مديرية الوضيع.


