التنين الصيني يواصل نفخ نيرانه في جسد الأمة اليمنية
في الوقت الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط بمرحلة خطيرة تتشابك فيها المؤامرات الدولية وتتصارع فوق أرضها مشاريع النفوذ، يظهر التنين الصيني كمفترس جديد يمدّ أنيابه نحو اليمن، وينفث نيرانه في جسد أمة تقاوم منذ عقدٍ كامل مشروعًا طائفيًا عدوانيًا تديره طهران وتحرسه بكين بغطاء سياسي فاضح.
لم يعد الموقف الصيني مجرد حسابات مصالح أو لعبة توازنات، بل أصبح انحيازًا صريحًا للمليشيا الحوثية، يهدف إلى تثبيت الانقلاب وترسيخ بقاء الذراع الإيرانية في شمال اليمن مهما كان الثمن. وقبل شهر فقط، حين استخدمت الصين حق الفيتو لصالح الحوثيين في مجلس الأمن، أعلنت بلا مواربة أنها لم تعد قوة “محايدة”، بل طرفًا متورطًا في إعادة تشكيل مسار الأزمة اليمنية بما يخدم المشروع الإيراني ويضرب إرادة اليمنيين في استعادة دولتهم.
ويأتي الاتفاق الثلاثي الذي جمع الصين وإيران والسعودية في طهران ليؤكد أن بكين تتحرك اليوم كمهندس للعبة السياسية في اليمن، وأنها تتبنى رؤية واضحة تقوم على إعادة تأهيل الحوثي وإدخاله في سياق شرعية سياسية تحت مظلة أممية، رغم أنه مليشيا انقلابية لا تؤمن بالدولة ولا بالقانون ولا بحق الشعب اليمني في الحرية والسيادة. فالصين التي تتحدث بوجه دبلوماسي عن “حل سياسي شامل” تعرف جيدًا أن هذا الحل، وفق التصور الإيراني، يعني بقاء الحوثي جزءًا من السلطة، لا باعتباره فاعلًا وطنيًا، بل بوصفه أداة تستخدمها طهران لتعزيز نفوذها، وتستفيد منها بكين لتثبيت أقدامها في واحد من أهم الممرات البحرية في العالم.
إن الصين لا ترى اليمن وطنًا منكوبًا أو شعبًا يواجه أكبر أزمة إنسانية في العصر الحديث، بل تراه ساحة نفوذ ومنفذًا إستراتيجيًا إلى البحر الأحمر وباب المندب، وورقة مقايضة ونقطة ارتكاز يمكن من خلالها الضغط على الغرب والتحكم في خطوط التجارة الدولية. ولأن بكين تدرك أن الدولة اليمنية القوية تشكل حاجزًا أمام تمددها، فإنها ترى في الحوثي فرصة نادرة لإبقاء اليمن ضعيفًا، مشرذمًا، قابلًا للابتزاز السياسي، ومفتوحًا أمام المشاريع الإقليمية والدولية.
هذا الانحياز الفاضح للصين نحو المليشيا الحوثية يكشف عن تحول خطير في دور بكين الإقليمي. إنها لم تعد تتعامل كقوة صاعدة تبحث عن الاستقرار، بل كقوة توسعية تستغل الأزمات لتثبيت نفوذها، على حساب دماء اليمنيين ومعاناتهم. وهي اليوم تعمل كدرع سياسي للمشروع الإيراني، تمد الحوثي عبر ولية امرة ايران بالأسلحة المتطورة وتعرقل أي مسار دولي يهدف للضغط على المليشيا أو تقليص قدرتها على فرض الأمر الواقع بالقوة.
الصين تنفخ نيرانها في جسد اليمن لا لأنها تؤمن بحق الحوثي، بل لأنها ترى في استمرار الفوضى مادة خامًا لمطامعها الجيوسياسية. إنها قوة تريد أن تفرض نفسها لاعبًا رئيسيًا في الشرق الأوسط عبر بوابة يمنية محروقة، غير آبهة بما يترتب على ذلك من دمار ومعاناة وتهديد للأمن الإقليمي والدولي.
وفي مواجهة هذا المشهد المتشابك، لم يعد أمام اليمنيين إلا أن يدركوا أن معركتهم اليوم لم تعد محصورة بين دولتهم والحوثي، بل أصبحت معركة ضد مشروع إقليمي دولي تتداخل فيه مصالح طهران وبكين. وما لم يُبنَ موقف عربي قوي ووعي يمني موحد لمواجهة هذا التحول، فإن نار التنين ستظل تشتعل في جسد الأمة اليمنية، تحرق حاضرها وتلتهم مستقبلها، وتحوّل أرضها إلى مسرح دائم لنفوذ الآخرين لا لوطنٍ حرٍّ يملكه شعبه...


