حين يصبح السعي جريمة بحق العمر

بقلم: نجيب الداعري

ليس العامة فقراء لأن المال قليل، بل لأنهم استنزفوا أعمارهم في مطاردته, تجدهم تارة  يركضون خلف المال كأنّه الخلاص، فتُفقد أعمارهم في الطريق قطعةً قطعة ,, وتجدهم تارةً أخرى يعدون  الأرباح وينسون أن الحياة لا تُقاس بالأصفار، بل بالوقت الذي يعيشونه , لا الذي يضيعونه 

والمال الذي يتركه الجميع ورائهم لا يختلف كثيرًا عن الماء الراكد؛ الذي لا يروي ظمأ أحد، أو يبعث الحياة فيه, فتبقى الأموال التي خلفوها بعدهم مجرد أرقام باردة في خزائنهم ،احترقت في جمعها الأعمار وتبخّرت بصمت،

فهناك أشياء ليس لها فائدة ضرورية في حياتنا ,رغم وجودها المُلفت , ولتفهم وتتعمق أكثر:
انظر مثلاً إلى هاتفك الذكي؛ ستكتشف أن ما يقارب ثلثين من خصائصه لا تُستخدم, كاميرات أقوى مما نحتاج، وذاكرات أوسع مما نملأ، ومزايا لا تغيّر من حياتنا شيئًا. ترفٌ رقمي جميل في شكله، فقير في أثره.

وانظر الى خزانتك، ستجد المشهد ذاته: ملابس كثيرة معلّقة، تنتظر مناسبات لا تأتي, ثلثيها  لم تُلبس إلا نادرًا، لأن الحياة لم تُخلق لتكون عرض أزياء يوميًّا، ولا مسرحًا للاستعراض.

وانظر كذلك الى البيوت,  مساحات واسعة لا تزورها الشمس إلا في زاوية واحدة، وغرف مغلقة لا تُفتح إلا للتنظيف، وأريكة لها مكان مفضل نجتمع عليه، بينما بقية الأثاث يعيش عمره كاملاً بلا معنى.

أن المال الذي قضينا أعمارنا في جمعه، سينتهي غالبًا في يد غيرنا,, فقد يرثه ابن أو ابنة لا يعرفون كم بكينا من أجل لقمة العيش؟ ولا كم سهرنا لنؤمّن مستقبلًا أفضل؟ ولا كم دفعنا من أعمارنا فواتير تبريدٍ صيفًا وتدفئةٍ شتاءً؟ أو أقساط تعليمٍ في مدارس أو غيرها؟ وقد ترثه زوجة تنفقه مع من لم نرَ له وجهًا في حياتنا! وقد  تبتلعه دولة وقوانين وضرائب لا تنتهي!!... بينما ننام نحن في حفرة لا تتّسع حتى للأريكة التي اعتدنا الجلوس عليها.

ختامًا…
اجعلوا  المال يعمل عندكم, ويخدم حياتكم، ويمنحكم وقتًا ومعنى., ولا تجعلوا  عمركم كلّه عملًا شاقًا في خدمة المال.

دمتم في رعايه الله وحفظه