اليمن بلا حسم.. إدارة المخاطر لن تمنع الإنهيار السياسي

قد يرى البعض أن هذه لحظة فارقة من تاريخ الصراع اليمني، بينما تتركز الجهود الوطنية والإقليمية على توحيد الصف اليمني، وحماية ما تبقى من الاقتصاد المنهك، وإعادة الحد الادنى من الخدمات الاساسية للمواطنين. جاءت تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي الاخيرة لإعادة إنتاج الصراع داخل معسكر الشرعية، وتحويل مسار المعركة بعيدا عن مواجهة المشروع الانقلابي الحوثي وبعثرة الجهود السياسية. ربما تكون هذه الخطوة ضارة، لكنها نافعة لإعادة قراءة الوضع في اليمن بصورة متأنية.

في الواقع، المشهد اليمني اليوم لا يُدار بمنطق الانتصارات الكبرى، بل بمنطق تفادي الاسوأ. تُدار الأزمة وفق مقاربة إقليمية تضع الأمن في مقدمة الأولويات، وتعالج القضايا الكبرى كملفات احتواء لا حسم. الهدف الأساسي هو منع الانفجار الشامل، لا إنتاج نصر سياسي نهائي.

ضمن هذا الإطار، تُدار قضية الجنوب وجماعة الحوثي كملفين لإدارة التعقيد لا للحسم. استعادة الجنوب مؤجلة، ليس لعدم عدالتها، بل لأن فرضها الآن قد يفتح الباب امام صراعات جنوبية–جنوبية ويهدد التوازنات الحساسة، خاصة في الشرق. لذلك الجنوب يحتاج تهدئة وتنظيم، لا قرارات احادية.

المجلس الانتقالي الجنوبي حاضر كشريك، لكنه ليس الطرف الذي يُراد له أن يحدد مسار المرحلة حاليا. النفوذ مسموح له، اما القرار النهائي فمؤجل وسط تعقيدات حضرموت والمهرة وتشابك العوامل القبلية والاقتصادية والأمنية. بينما الشرعية تظل الغطاء السياسي الضروري لمنع الفراغ السياسي الكامل او لشرعنة قوى الأمر الواقع، و تجاوزها في الظروف الراهنة سيؤدي الى سيناريو لا يخدم استقرار اليمن ولا أمن الإقليم.

اما جماعة الحوثي، فالحسم العسكري الشامل، يعد قرارا يمنيا، ومن منظور المقاربة الإقليمية لا يُنظر اليه حاليا، والاعتراف السياسي الكامل بهم غير مطروح. ما يجري هو محاولة لتحويل الحوثي من تهديد مفتوح الى خصم محتوى، منزوع القدرة على التمدد وتهديد الجوار. لكن هذا الخيار يحمل مخاطره، إذ أن الاحتواء الطويل بدون مشروع وطني جامع قد يُثبت واقعا مفروضا، غير قابلا للتغيير بسهولة. 

هنا تتجلى اللحظة اليمنية الحرجة. إذا استمر الانقسام داخل القوى المناهضة للحوثي، قد يجد المجتمع الإقليمي نفسه مضطرا للتعايش مع الحوثي كأمر واقع طويل الأمد، لا لأنه الخيار الافضل، بل لأنه الاقل كلفة. عندها، لن يكون الحوثي مهزوما، ولن تُستعاد الدولة، بل ستظل مؤجلة الى اجل غير مسمى.

مستقبل اليمن القريب مرتبط بالقدرة على تحويل التهدئة الحالية الى مشروع وطني جامع. إدارة المخاطر قد تؤخر الانهيار، لكنها لا تمنعه، ولا تبني دولة. الفرصة متاحة لتوحيد القوى الوطنية واتخاذ موقف حاسم في مواجهة الحوثي، وإلا فإن ما يُدار اليوم كأزمة سيصبح غدا واقعا دائما، وسيدفع اليمن ومعه الإقليم ثمن التأجيل الطويل.