الإعلام والتغطية الميدانية… معركة الوعي قبل أي معركة أخرى
تظلّ الأحداث الجارية على الأرض صماء محدودة الأثر، ومحاصرة في نطاقها الضيق، ما لم تتدخل الآلة الإعلامية بتقنياتها المتعددة وأذرعها المتشعبة، فتمنحها حضورها الفعلي في أوسع الدوائر، وتحولها من وقائع صامتة إلى كيان ناطق يفرض نفسه، ويجبر القريب والبعيد على الإصغاء والانتباه. ولا يقتصر دور الإعلام على مجرد لفت النظر وجذب الانتباه، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة تقديم الوقائع، وصياغة الصورة العامة للأحداث، بما يعكس قدرته المؤثرة في توجيه الرأي العام وبناء الوعي الجمعي تجاه ما يجري على الأرض. ومن هنا تتجلى أهمية الإعلام وخطورته في آن واحد، الأمر الذي يجعل توظيفه ضرورة حتمية تقتضيها المصلحة الوطنية، ويفرضها الواقع بمختلف حالاته من سلم وحرب، ليغدو أداة فاعلة في نقل الرسالة، وصون الحقوق، وتعزيز الوعي العام.
ومنذ اللحظات الأولى لتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، حرص على إيلاء الإعلام ورجاله أهمية خاصة، إدراكا منه لدوره المحوري، واستشعارا لقوة تأثيره وضرورته العصرية الملحة في مواكبة التحولات وتسليط الضوء على مجريات الأحداث.
ولعل المسيرة الإعلامية الممتدة، التي واكبت مختلف التطورات المتسارعة على الأرض، تمثل خير شاهد على هذه الأهمية؛ إذ شكلت التغطيات الإعلامية لساحات الاعتصام، ونقل ما شهدته من حشود جماهيرية، وكلمات، وندوات، وأمسيات ثقافية بمختلف أشكالها، نموذجا حيا للدور الحيوي الذي يضطلع به الإعلام وضرورته الحتمية. كما تؤكد هذه التجربة العملية وجاهة الرؤية التي ترى في التغطية الإعلامية عنصرا أساسيا لا غنى عنه، وتدعو إلى توسيع آفاقها وتعزيز حضورها، بما ينسجم مع طبيعة المرحلة ومتطلباتها.
وفي هذا ما يشكل ردا عمليا واضحا على تلك الدعوات غير المسؤولة التي تسعى إلى تضييق نطاق التغطيات الإعلامية والتقليل من أهميتها، الأمر الذي يبعث على القلق إزاء الخلفيات التي تتبنى مثل هذه الطروحات، في ظل ما تقتضيه المرحلة من وعي إعلامي ومسؤولية وطنية عالية.
محمد الخضر المحوري


