إرادة شعب حضرموت
إن شعب حضرموت، الذي عانى من ويلات الحروب والتهميش والظلم، يؤمن بالعمل السياسي الديمقراطي القائم على حرية الاختيار. إنهم يرفضون بشكل قاطع فرض أي وصاية عليهم، سواء من الشمال أو الجنوب.
إن أبناء حضرموت هم الجهة الوحيدة المخولة بحماية أمن منطقتهم، وضمان استقرارها، ودفع عجلة تنميتها. وهم أصحاب الحق الأصيل والحصري في تقرير مصير حضرموت، بما ينسجم مع تطلعاتهم وإرادتهم الحرة. من حق أبناء حضرموت المطالبة بحق تقرير مصيرهم.
تقرير المصير: السيادة، الأمن، والشراكة العادلة
انطلاقاً من الإرث التاريخي والحضاري العظيم لحضرموت، الأرض التي لم تكن يوماً مجرد جغرافيا هامشية، بل مركزاً للإشعاع الثقافي والديني، وساهم أبناؤها عبر القرون في نشر رسالة الإسلام وقيم السلام والوسطية في أصقاع المعمورة، مشكلين "القوة الناعمة" التي ربطت الشرق بالغرب.
وإدراكاً للتحولات التاريخية والسياسية التي عصفت بالمنطقة، واستشعاراً للمسؤولية التاريخية تجاه الأجيال القادمة، فإن أبناء حضرموت يصدرون هذه الوثيقة لتأكيد حقوقهم غير القابلة للتصرف.
أولاً: المظلومية التاريخية والحق في الانتصاف لقد عانت حضرموت، منذ نهاية القرن الثامن عشر، من دورات صراع وفوضى سياسية لم تكن من صُنع أبنائها، وتفاقمت المعاناة خلال العقود السياسية الحديثة:
1- الحقبة الشمولية (ما بعد 1967): تعرضت الهوية الحضرمية للطمس الممنهج، وعانى المجتمع من مصادرة الأموال، وتأميم الممتلكات، والسحل، والإرهاب الممنهج للدولة، مما أدى إلى تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية وتهجير العقول ورؤوس الأموال الحضرمية.
2- حقبة الوحدة (ما بعد 1990): استمر التهميش السياسي والاقتصادي، حيث تحولت حضرموت إلى مجرد "خزينة" ترفد الميزانية المركزية دون أن ينال أبناؤها نصيبهم العادل من التنمية أو القرار السياسي.
ثانياً: المنعطف الخطير (أحداث 5 ديسمبر 2025)، إن الاجتياح العسكري الذي تعرضت له حضرموت من قبل قوات المجلس الانتقالي في 5 ديسمبر 2025، يمثل انتهاكاً صارخاً للسلم الأهلي، وخرقاً لمواثيق الشراكة الوطنية.
إن هذا التصعيد العسكري يُسقط أي ادعاءات بالتمثيل السياسي القسري، ويؤكد المؤكد: أن المشاريع السياسية لا تُفرض بقوة السلاح.
إن استخدام القوة لفرض واقع سياسي معين (سواء تحت راية الوحدة أو راية الجنوب) هو فعل مدان ومرفوض، ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك استحالة استمرار حضرموت كملحق تابع لمركزيات صراع لا تنتهي.
ثالثاً: المبادئ والمرتكزات القانونية استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة (الفصل الأول، المادة الأولى) والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، فإن حضرموت تعلن ما يلي:
حق تقرير المصير المستدام: إن أبناء حضرموت هم أصحاب الحق الأصيل والحصري في تقرير مستقبلهم السياسي. هذا الحق لا يسقط بالتقادم ولا يمكن مصادرته عبر الوصاية العسكرية أو الإلحاق السياسي القسري بشمال اليمن أو جنوبه.
السيادة الأمنية: إن أمن حضرموت هو شأن سيادي لأبنائها. نرفض تواجد أي تشكيلات عسكرية من خارج المحافظة، ونؤكد أن "النخبة الحضرمية" ودرع الوطن وأبناء المحافظة هم الجهة الوحيدة المخولة قانونياً وأخلاقياً بحماية الأرض وتأمين الثروات.
رفض العسكرة السياسية: تؤمن حضرموت بالعملية الديمقراطية المدنية. إن شرعية أي مكون سياسي تنبع من صناديق الاقتراع والقبول المجتمعي الطوعي، وليس عبر فوهات البنادق. إن أحداث 5 ديسمبر أسقطت ورقة التوت عن خيار القوة، وعززت خيار استقلالية القرار الحضرمي.
السيادة الكاملة لأبناء حضرموت: في إدارة كامل شئونهم، ومواردهم الأمنية والاقتصادية وثرواتهم.
الشراكة مع التحالف العربي: تجدد حضرموت التزامها الاستراتيجي مع دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، كشريك فاعل في مكافحة الإرهاب، وتأمين الممرات الدولية، وتحقيق الاستقرار الإقليمي، شريطة أن يكون ذلك في إطار ندي يحفظ كرامة وحقوق الحضارم.
الإطار القانوني الدولي لحق تقرير المصير
إن حق تقرير المصير المستدام هو أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي المعاصر، وهو مكرس في العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية الملزمة. يمكن تلخيص هذا الإطار القانوني في النقاط التالية:
ميثاق الأمم المتحدة (1945):
المادة 1 (2) تنص على "إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها".
العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966):
المادة 1 تنص بوضوح على أن "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي".
إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة (1960):
يؤكد القرار 1514 (د-15) على أن "جميع الشعوب لها الحق في تقرير المصير"، وأن أي محاولة لتقويض وحدة الأراضي أو السلامة الإقليمية لدولة ما هي "متنافية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه".
إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية (2007):
المادة 3 تؤكد على أن "للشعوب الأصلية الحق في تقرير المصير".
رابعاً: خارطة الطريق والمطالب بناءً على ما سبق، يطالب أبناء حضرموت:
إن استمرار الوضع الحالي في حضرموت يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي. إن فرض واقع جديد بقوة السلاح لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار. لذلك، فإننا ندعو المجتمع الدولي، وخاصة الدول الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن، إلى تحمل مسؤولياتهم واتخاذ الإجراءات التالية:
إدانة التدخل العسكري: إصدار إدانة واضحة وصريحة للهجوم العسكري الذي شنه المجلس الانتقالي الجنوبي على حضرموت، والمطالبة بالانسحاب الفوري وغير المشروط لجميع القوات غير الحضرمية.
فرض عقوبات: فرض عقوبات على الأفراد والكيانات المتورطة في هذا العدوان، بما في ذلك الجهات الخارجية التي تقدم الدعم العسكري والمالي.
دعم عملية سياسية: إطلاق عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة، تضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع الحضرمي.
تنظيم استفتاء لتقرير المصير: العمل على تنظيم استفتاء حر ونزيه تحت إشراف دولي، يمنح شعب حضرموت الفرصة لاختيار مستقبله السياسي بحرية تامة.
إن حضرموت تقود... ولا تُقاد. لقد آن الأوان ليعلو صوت حضرموت، ولتستعيد مكانتها البارزة، ولتبني مستقبلاً مزدهراً يليق بتاريخها العظيم وتراثها الإنساني. إن دعمكم لحق شعب حضرموت في تقرير مصيره هو دعم للسلام والعدالة والديمقراطية في المنطقة والعالم.


