القرار المرتقب.. تشغيل بلحاف والضبة
منذ تولّيه رئاسة الحكومة مطلع عام 2025، قاد رئيس الوزراء سالم بن بريك ما يمكن وصفه بمحاولة إنقاذ اقتصادي جريئة، في واحدة من أعقد المراحل التي مرّت بها الدولة اليمنية.
ورغم ضيق الهوامش وتشابك الملفات، أقدمت الحكومة على خطوات عملية، أبرزها استئناف عمل مصفاة عدن بعد توقف قسري دام قرابة عقد من الزمن، في رسالة واضحة مفادها أن إعادة تشغيل الأصول السيادية باتت واقعًا لا شعارًا.
غير أن هذه الجهود، رغم أهميتها، ظلّت تصطدم بعوائق مركزية تمثّل أبرزها في التوقف القسري لتصدير النفط والغاز، وما رافقه من غياب مؤسسات رقابية فاعلة، وانفلات في سوق الطاقة، وانتشار المصافي التقليدية، وتصرّفات مالية خارج رقابة البنك المركزي، الأمر الذي حوّل جزءًا كبيرًا من الثروة الوطنية إلى اقتصاد ظل، وأفقد الدولة أهم أدوات الاستقرار المالي.
اليوم، نحن أمام مشهد مختلف؛ تتزامن فيه توجهات دولية جادة لتسوية ملفات النزاع – تجلّت بوضوح في الاتفاق السعودي–الإيراني برعاية صينية، والذي كان أحد محاوره دعم سلام تنموي في اليمن – مع تطورات ميدانية بالغة الدلالة. ولم يعد هذا المسار مجرّد إعلان نوايا، بل تعزّز عمليًا بنجاح اتفاق تبادل الأسرى، الذي عكس مستوى متقدمًا من الجدية وبناء الثقة، وأثبت أن الانتقال من إدارة الصراع إلى تفكيكه أصبح مشروعًا واقعيًا قيد التنفيذ.
ويتزامن ذلك مع: إخلاء ميناء بلحاف الغازي، الذي كان يرفد نحو 75% من موازنة الدولة قبل أن يتحول إلى ثكنة عسكرية منذ عام 2016. وإخلاء ميناء الضبة النفطي، الذي توقف وتحول إلى معسكر بعد أن أودت الصراعات بوظيفته الاقتصادية.
وفي الوقت ذاته، نشهد إحالة ملفات الفساد النفطي وفساد المصافي التقليدية إلى القضاء، في مؤشر نادر على استعادة مسار المساءلة، ولو ببطء.
هذه لحظة مفصلية؛ إذ يترقّب اليوم أربعون مليون يمني خطوة تتجاوز التحليل السياسي إلى الفعل التنفيذي.
ما يُنتظر الآن هو إعلان رسمي عاجل من رئيس الوزراء سالم بن بريك، يدعو موظفي وعمال ومهندسي موانئ بلحاف والمسيلة والضبة إلى مباشرة أعمالهم فورًا، والبدء بتهيئة المنشآت فنيًا ولوجستيًا، تمهيدًا لاستئناف التصدير بنفض غبار سنوات من التوقف القسري.
وبالتوازي، لا بد من إقرار اتفاق يمني مؤقت، برعاية دولية محايدة وفاعلة، يضمن:
تحييد منشآت النفط والغاز عن أي صراع
استئناف عاجل للتصدير
إيداع الإيرادات في حساب مركزي مستقل
إخضاع هذا الحساب لإشراف دولي مهني وشفاف
تعليق التصرف بالإيرادات إلى حين إنجاز تسوية يمنية شاملة
وحتى وإن لم يكن هذا الإجراء حلًا نهائيًا، فإنه يُعد إجراءً لحظيًا عاجلًا يمنع الانهيار، ويعيد للدولة قدرتها على التنفس بثقة، ويحوّل الثروة من وقود صراع إلى وسيلة استقرار.
لقد أثبتت التجربة أن تعطيل الموارد لم يكن وسيلة ضغط ناجعة، بل كان عقابًا جماعيًا لمجتمع بأكمله، وهدمًا للمعبد على رؤوس الجميع. واليوم، حين تتقاطع الإرادة الدولية مع فرصة داخلية نادرة، يصبح التردد خسارة مضاعفة.
كلّنا ثقة بأن من استأنف مصفاة عدن، قادر على استعادة بلحاف والضبة.
واللحظة… هي الآن.


