الطيبون... بلسم الحياة الذي لا يُشترى

بقلم: _ منصور بلعيدي_

في عالمٍ يزداد صخبه، وتتعالى فيه أصوات المصالح، وتتشابك فيه العلاقات بخيوط المصالح والمجاملات، يظل الطيبون هم النغمة الهادئة التي تعيد للروح توازنها، وللقلب طمأنينته. 
إنهم بلسم الحياة، كما وصفهم الكاتب منصور بلعيدي، أولئك الذين لا يملكون إلا أن يكونوا نورًا في عتمة الآخرين، وسندًا في لحظات الانكسار.

هناك أشخاص لا يمرون في حياتنا مرور الكرام، بل يتركون أثرًا يشبه عطرًا لا يزول. 
يسألون عنك حين ينشغل الجميع، يربتون على قلبك بكلمة، أو نظرة، أو حتى صمتٍ يفهمك. 
هؤلاء لا يكثرون من الوعود، لكنهم يكثرون من الوفاء. لا يتحدثون كثيرًا عن الحب، لكنهم يعيشونه في تفاصيلهم الصغيرة..انهم وجوه لاتنسى. 

أحيانًا، لا نحتاج إلى كثير من الناس حولنا، بل إلى شخص واحد فقط، يحمل في قلبه مدينة من الأمان، ونهرًا من الطمأنينة، وسماءً من الصدق. شخصٌ حين نذكره، ونحن في أسوأ حالاتنا، تعود إلينا الروح.

في زمن التلون، يبقى الصادقون في مشاعرهم نادرين. لا يعرفون التصنع، ولا يجيدون ارتداء الأقنعة. 
كلما حاولوا مجاراة الزيف، فضحهم بياض قلوبهم. قد لا يكونون الأكثر شعبية، لكنهم بالتأكيد الأصدق، والأبقى أثرًا.

هم أولئك الذين يواسون الجميع، بينما يعجزون عن مواساة أنفسهم. يزرعون الأمل في قلوب الآخرين، وهم غارقون في بؤسهم. يبتسمون وهم يعانقون الوحدة، ويطمئنون من حولهم وقلوبهم ترتجف. ومع ذلك، لا يتوقفون عن العطاء.

انهم يشبهون الرسائل الجميلة، التي لا نمل من قراءتها. كلما مررنا بها، شعرنا بالامتنان لأن الحياة منحتنا فرصة لقائهم. هم الذين يتركون فينا أثرًا لا يُمحى، لأنهم لمسوا أرواحنا بلطف، ومرّوا بنا كنسمة صيفٍ دافئة.

في زمنٍ يزداد فيه الجفاء، ويقل فيه الصدق، يبقى الطيبون هم الأمل. هم من يجعلون الحياة أكثر احتمالًا، وأكثر جمالًا. فسلامٌ على من اختاروا اللطف طريقًا، والصدق مبدأً، والحب نهجًا. وسلامٌ على قلوبهم النقية، التي كلما مرّ ذكرها، ردّت فينا روح الحياة..