لا مفر من التفاوض بين الجنوب والشمال لضمان تسوية تاريخية عادلة
كتب صالح شائف
تناولنا كثيرًا موضوع الحوار والتفاوض القائم عبر ( الوكلاء ) وخطورة إختزاله بين ثنائية ( الشرعية والإنقلاب ) على مآلات ومستقبل التسوية نفسها؛ لأن المسافة بين ( الإنقلاب والشرعية ) قد تلاشت كثيرًا جدًا في الآونة الأخيرة؛ وإنعكاس ذلك وخطورته على قضية الجنوب وعملية تمثيله الندي والمستقل في إطار عملية التسوية السياسية الشاملة؛ ولذلك فإننا نجدد الدعوة هنا مرة أخرى إلى الحوار المباشر بين عدن وصنعاء؛ فهو المنطقي والأكثر أهمية وقبولًا وحسمًا على الصعيد الداخلي – الوطني والتاريخي – وحتميته وضرورة حدوثه عاجلًا أم آجلًا.
لقد أصبح ذلك ضرورة ملحة ولم يعد في تقديرنا خيارًا من بين الخيارات؛ بل أنه الطريق الصحيح والسليم الذي ينبغي استعادته بعد أن تعددت الطرق وتفرعت خطوطها الجانبية؛ وتعددت معها أطراف وجنسيات من يقودون عربات ( السلام )؛ وهم الذين لا ينظرون للحل إلا من زوايا مصالحهم المنسجمة مع أهدافهم ومشاريعهم المختلفة؛ ونظرتهم لطبيعة الأوضاع التي يريدون رؤيتها واقعًا في مستقبل اليمن عمومًا؛ وبالتالي فإن ( سلامهم ) لن يكون لليمن إلا حروبًا دائمة ومتنقلة؛ وخرابًا وتخلفًا وعدم إستقرار لا في الجنوب ولا في الشمال.
وإن كان الشمال هو المتسبب الرئيسي الذي أفشل مشروع الوحدة الطوعية والسلمية بين الدولتين والشعبين الشقيقين؛ وهو وحده أيضًا من أسقطها بالحرب العدوانية على الجنوب؛ وحولها إلى جريمة إحتلال مباشر ومكتمل الأركان؛ وجعل من الجنوب غنيمة حرب كبرى منظمة وشاملة قل مثيلها في التاريخ.
ومع كل هذا فإن الشمال يبقى الطرف الآخر للبحث معه عن الحلول الممكنة للخروج من دوامة الحرب والأزمة المركبة العميقة والشاملة؛ وهو المعادل المنطقي والموضوعي في تركيبة الوضع القائم؛ مع إدراكنا بأن الأمر لن يكون سهلًا بالنظر للكثير من العوامل والأسباب؛ ناهيك عن تأثير العراقيل التي ستقف أمام خطوة كهذه ومن أطراف عدة داخلية وخارجية.
إننا ومع كل ذلك ندعو كل القيادات الجنوبية مجتمعة؛ وفي مقدمتها وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي؛ للتداعي والبحث في كيفية تشكيل فريق وطني جنوبي واحد تتجسد في تركيبته الشراكة الوطنية الشاملة؛ ليتولى هذا الفريق عملية الحوار والتفاوض كممثل للجنوب؛ وفتح أبواب الحوار والتفاوض مع فريق مقابل يمثل الشمال؛ نأمل أن يتم التوافق عليه بين الأطراف الشمالية المختلفة؛ للدخول في عملية الحوار والتفاوض المباشر بين عدن وصنعاء؛ وبرعاية ودعم الأمم المتحدة وإشرافها؛ فهنا فقط يمكن الوصول إلى تسوية تاريخية شاملة وعادلة ودائمة.
إن للتاريخ حكمه ومنطقه وللواقعية السياسية المسؤولة دورها الحاسم عند إتخاذ الخيارات الكبرى؛ وتفرض نفسها بالضرورة على حالة وطبيعة وضعنا الراهن ومعالجته؛ ليكون ذلك قائمًا على قاعدة العودة لوضع ما قبل مايو ١٩٩٠م؛ لضمان نجاح عملية التفاوض والتسوية وبكل جوانبها وأبعادها وإستحقاقاتها؛ بما في ذلك الإتفاق على مرحلة إنتقالية مزمنة قد تفرضها الضرورة.
كما يتطلب الأمر وضع الأسس الضامنة والمناسبة للعلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين؛ تقوم على الإستقرار والنمو والتعاون البناء والمثمر مستقبلًا وفي كل المجالات؛ بعد أن فشل مشروع الوحدة السياسية بين الدولتين والشعبين الشقيقين؛ والأعتراف بذلك والإقرار به كتحصيل حاصل لما آلت إليه الأوضاع؛ وبعد كل هذه التضحيات المهولة والدمار الكارثي الذي تم باسم ( الوحدة والدفاع عنها )؛ وبعيدًا عن التمسك بالشعارات والأوهام التي تختبئ خلفها أطماع وأهداف قوى النفوذ والإرهاب و( الإسلام ) السياسي؛ ومعه وإلى جانبه تجار الموت وأمراء الحروب