على ماذا ينوح هؤلاء ؟

بقلم / د.سعيد سالم  الحرباجي

بينما كنت معصَّباً ، وأضرب كفاً بكف ، وأتحرك في صالة المنزل جيئة وذهاباً..
نَظَرَتْ إليَّ جدتي - الطاعنة في السن  - وهي مسجَّاة على فراشها الذي تلازمه لأكثر من عقد من الزمن .
نَظَرَتْ إليَّ متعجبة فقالت : يا بني ماذا أصابك ؟ وأي بلاء حل بك ؟ 

قلت لها أما تسمعين هؤلاء الذين ينوحون كالثكالى ، ويولولون كالمجانين ،  على سقوط حكم عائلة الأسد ؟
قالت بلى ؟ 
قلت : أليست تلك التصرفات كفيلة بأنْ تجعل دم الحر يفور ؟ وأعصابه تحترق ؟ 

قالت : هوَّن على نفسك يا بُنيَّ ....
فتقدمت نحوها ، وجلست بالقرب منها ، وشعرت أنها في هذا الموقف أقوى  ، وأعقل، وأحذق مني !! 
قلت : خيراً يا جدتي .
قالت : أما سمعت المثل القائل { أنَّ المصائب يجمعن المصابين } 
قلت لها : وكأنني لم أسمعه إلا هذه اللحظة !!
قالت  يا بُنيَّ : 
هؤلاء لا يبكون أسفاً على الأسد ، ولا ينوحون حزناً على ذهابه إلى مزبلة التاريخ.
قلت : وما الأمر إذاً ؟ 

قالت :  هؤلاء يبكون على أنفسهم ....لأنَّ كلاً منهم يتحسس شعر رأسه ، وينتظر دوره  ، ويعد الساعات... ساعة ساعة متوجَّساً من ( مقص الحلاق ) .

وهم اليوم مقتنعون أنَّ مرحلة من مراحل  الزمن قد أظلت ، وأنَّ صفحة من صفحاته العفنة تُطوى  ، وأنٌ فجراً جديداً قد بزغ نوره من عاصمة الخلافة الإسلامية  ( دمشق ) ، وأنَّ شرارة الثورة لن تتوقف هناك .

قلت : عجباً لك جدتي ، يبدو أنَّ مكوثك على فراش المرض لأكثر من عقد من الزمن ، وملازمتك متابعة التلفاز  ....قد اكسبك معرفة ، وفطنة ، وحذقاً .
لقد صدقتِ جدتي العزيزة ...
 الآن أدركت سر هذه الهستيريا التي أصابت المرتجفين !!!
 أنا أوافقك الرأي ، وبدأت استوعب ما تقولين ، والظاهر أنهم محقون في تخوفهم ..
فلقد  حان الوقت لدفع الحساب ، وآن الآوان لتسديد فواتير  الديون ، وجاءت اللحظة الأخيرة ليقتص المظلوم من ظالميه ، وأزفت ساعات غروب أنظمة البغي ، والجور .

رفعت جدتي صوتها المبحوح فقالت : أفهمت يا بُنيَّ ؟
قلت :  بلى ، لقد فهمت حال هؤلاء.

ولكن ما بال حال أولئك ؟
قالت :  تقصد من ؟
قلت :  أولئك الذين يدَّعون أنهم مثقفو الأمة ، وأنَّهم طبقة تنوير المجتمع ، وأنَّهم رواد الإعلام ، وأٌنَّهم فطاحلة الصحافة .

قالت : تقصد أولئك الذين يتلقفون الفتات المتساقط من موائد اللئام كي يزيَّفون وعي الشعوب ، ويطبلون للطفاة ، ويزينون سوء أفعالهم ؟
قلت : أولئك أقصد .
قالت : أولئك قوم باعوا ضمائرهم  ،وأماتوا قلوبهم ، ورهنوا قيمهم ومبادئهم ، وتحوَّلوا إلى أبواق يسبحون بحمد الطغاة والظلمة ، وينعقون بمجزاتهم الوهمية ، ويعملون على إثارة الفتن ، وبث سموم الفرقة ، ونشر الشائعات ، ويجتهدون في النيل من شرفاء الأمة ، والانتقاص من قدر  الأحرار ، والتهوين من قيمة الثورة .
 
يا بُنيٌَ ..
أولئك  هم  شرار الخلق ، وأراذل القوم ، وسفلة  البشر ، وحثالات المجتمع .
هم قوم يقتاتون على  الكذب ، ويعتاشون من الفتات المتساقط من موائد اللئام .
إنهم أسوأ من الظالم نفسه ، لأنهم زبانيته التي تعينه على ظلمه ،  وسوطه  الذي  يؤدَّب به رعيته  ، وأعينه التي يبصر بها شعبه ، وأذرعه التي يوطد بها حكمه .

يا بني :
دعك من هؤلاء النائحين ، ولا تلتفت إلى أولئك الناعقين...
 وجْه بصرك صوب الشام ...
لقد أظل زمن الحرية .