من أعلام دثينة.. الشهيد عباس طاحل..(البطل الذي يضحك للموت)

كتب: أبو زين ناصر الوليدي

أخي القاريء: لا تظن أن في هذا  العنوان مبالغة أو تزويق، ولسوف ترى من خلال هذه الأسطر ما يشرح لك كيف كان الشهيد عباس يضحك وهو بين أنياب الموت، لتدرك أن العنوان يعبر عن حقيقة وليس على طريقة الكتاب والأدباء في اختيار عناوين تلفت نظر القاريء 
ولكن 
قبل هذا دعنا نعود إلى الحديث من بداياته: 
فمن هو هذا الضرغام الدثني الشهيد البطل عباس ؟
عباس هو لقب تنظيمي غلب على اسمه الأصلي حتى صار يعرف به لدرجة أن كثيراً من الناس يظن أنه اسمه، بل والذين تسموا به بعد استشهاده وهم كثر حملوا اسم عباس متناسين الاسم الحقيقي لشهيدنا.
ففي قرية ( امذراع) الزامكية في أرض أهل حسنة ولد الشهيد (أحمد سالم علي طاحل الزامكي) الملقب عباس ، عام ١٩٤٢م، ولما بلغ سن الشباب التحق بالحرس الخاص في ولاية دثينة وكان معه في الحرس الخاص عبد الله منصور الوليدي وصالح محمد البعير رحمهم الله جميعاً، وخلال عمله في الحرس الخاص تعرف على المفكر السياسي حسين الجابري رحمه الله والذي كان له دور كبير في بث الوعي الوطني والروح الثورية في ولاية دثينة، وقد أثر عليه كثيراً اعتقال المرحوم حسين الجابري، فغادر دثينة إلى عدن ليعمل في محطة اتصالات الإذاعة الواقعة في خط البريقة وأقام في منزل أخيه عبد الله طاحل في مدينة البريقة، ومن هناك عاود الاتصال بحسين الجابري بعد الافراج عنه، وجرت بينهما عدة لقاءات أدت إلى توجهه إلى العمل الفدائي ضمن خلية فدائية معه فيها علي ناجي العوذلي وعمر محمد سالم هجام من أبناء الخيسة.
وقد كلف الشهيد عباس بتفجير محطة اتصالات الإذاعة، وقام بتنفيذ مهمته على أكمل وجه وجرت بعدها مطاردته من قبل الإنجليز مما اضطره للخروج مؤقتا إلى تعز، وفي تعز تلقى دورات تدريبية مكثفة، ليعود إلى عدن متخفيا والتحق بخلية جمعته مع الرئيس سالمين وعلوي حسين فرحان ومدرم والخضر المسودي. 
ولم تتوقف عملياته الفدائية على عدن بل أنه سافر إلى حضرموت مستخفيا ونفذ عدة عمليات فدائية مع المرحوم صالح باقيس ورفاقه.
واستمر مع مجموعاته الفدائية في إشعال نيران الموت في جنود الاحتلال البريطاني في كل المواقع، وتحولت عدن إلى جحيم على جنود الاحتلال البريطاني، فشن الإنجليز حملات اعتقالات ومداهمات، وإذا زاد عليهم الضغط فإنه يخرج إلى دثينة مستخفيا وهناك يقوم بالتخطيط لضرب المراكز الحكومية في مدينة مودية، وفي قريته جعل من بيته غرفة عمليات لتنفيذ المهام واللقاء بالفدائيين، فكان يجتمع في بيته الكثير من المناضلين منهم على سبيل المثال لا الحصر: علي شيخ عمر السعيدي ومحمد سليمان ناصر، وعبد الله سالم العسل وعبد الله العشلة وعبد الله محمد الهيثمي وعوض ناصر محمد وسليمان ناصر محمد ومحمد الحييد وعلي القاهرة وغيرهم، وفي بيت الشهيد تجري اللقاءات ليلا للتخطيط النضالي وإدارة العمليات، واستقطاب المقاتلين وبث روح الثورة في قلوب الشعب، وقد استهدفت هذه الخلية لعدة مرات بيت الضابط السياسي ومبنى المحكمة.
عاد الشهيد إلى عدن وكون خلية مع علي شيخ عمر وكان من قيادات العمل العسكري والخضر المسودي ومحمد الحييد وكانت تسمى هذه الخلية خلية (العمليات المستحيلة) وفي عدن اعتقل في أحد نقاط التفتيش وقيدت يداه ورجلاه وأخذ إلى السجن واستطاع أن يغالط المحقق بطريقة ذكية في تحريف الاسم ثم أطلق، وجاء إلى بيت أخيه عبد الله طاحل وأمره بالخروج السريع من البيت لأن الإنجليز سيتنبهون للخطأ الذي وقعوا فيه، وفعلا لم تمر سوى ساعات حتى داهموا البيت، وخرج الشهيد مرة أخرى إلى تعز..
كان الشهيد رحمه الله شابا جريئا مغامرا يخوض حياض الموت وهو يبتسم ويصنع النكتة في أحلك الظروف، لا يبالي بقوات العدو مهما كانت ولا يكف عن المخاطرة في هجماته الفدائية كلما سنحت له الفرصة.
في إحدى جولاته كان متوجها من المنصورة نحو الشيخ عثمان وكانت بينهما مسافة في تلك الأيام ومعه في نفس سيارة الأجرة الشهيد الخضر المسودي والشهيد محمد الحييد، كان المسودي بجانب السائق وعباس والحييد في الكرسي الخلفي ومعهم رجل آخر يبلغ حوالي الستين من عمره، وفي الطريق كانت هناك دوريات للقوات البريطانية فقال الرجل الستيني مستهزئا: هيا وين الفدائيين أزعجونا فدائيين فدائيين والله لو كان معي سلاح كنت نزلت لهم، وكان الشهيد يحمل في ثيابه قنبلة فأخرجها وهمس في أذن الرجل قائلا: هذه القنبلة أيش رأيك تنزل لهم ؟ وهنا صاح الرجل: نازل نازل يا دريوال على جنب على جنب، ثم أخذ يكرر وهو برتجف (الله ينصركم الله ينصركم)، ثم نزل مندفعا ودفع مبلغا كبيراً وانصرف وكان السائق ينادي عليه أرجع أرجع باقي لك فلوس وهو يقول الباقي أجرة الشباب والزايد لك، فضحك الجميع، وقالوا لعباس مال الرجال أيش عملت له ؟ قال : وضعت القنبلة في ثيابه وقلت له أنزل لجنود الاحتلال.
وفي حادثة مشابهة كانت نفس هذه المجموعة ومعهم علي شيخ عمر رحمه الله تعالى وقد دخلوا لتناول وجبة الغداء في أحد المطاعم إذ وقفت على باب المطعم دورية إنجليزية وكان المطعم مزدحما وبدأت الدورية تفتش عند باب المطعم فقال لهم علي شيخ : معي مسدس خلوهم حتى يصلوا علينا وسوف أقتل أول واحد منهم وأنتم خذوا بندقيته وأجهزوا على الباقين، فأطبق الصمت على الجميع إلا أن عباس كان يضحك وهو مستمر في الأكل فقال له علي شيخ:  إيش يضحكك يا عباس في هذا الوقت فقال ضاحكا: (صاحب المطعم طار عليه الحساب اليوم ) واستمر في الأكل ينتظر تقدم الجنود إلى طاولتهم ولكن انسحب الجنود دون أن يحدثوا أي شيء.
وهناك مواقف كثيرة كان البطل عباس يحول أصعب اللحظات فيها إلى نوادر وضحكات ونكات رحمه الله تعالى.
لقد جمع الشهيد الكثير من الخصال النبيلة، من الشجاعة والكرم والشهامة والنجدة والتضحية.
وهكذا استمر هذا الشاب الزامكي يطير من موقع إلى موقع يطلب الموت في مظانه ويصلي الإنجليز جحيم قنابله حتى قتل قبيل الاستقلال وذلك في سبتمبر عام ١٩٦٧م ونقل جثمانه من عدن إلى مقبرة جمعان جنوب شرق مودية.
نسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويرفع درجته في المهديين.
..