لا كهرباء تضيء العتمة، ولا ماء يروي الظمأ، ولا مرتبات تُسند ظهور الكادحين..
بلدٌ بلا قيادة .. وشعبٌ بلا أمل ..
في زمنٍ تتساقط فيه أحلام الشعوب كأوراق الخريف، وتُسلب فيه الأوطان من أبنائها، نقف اليوم أمام مشهدٍ مأساوي يختزل معاناة شعبٍ أنهكته الأزمات وتكالبت عليه المحن ، وطنٌ كان يعج بالحياة، فأضحى في قبضة الفقر والحرمان، حيث لا كهرباء تضيء العتمة، ولا ماء يروي الظمأ، ولا مرتبات تُسند ظهور الكادحين الذين طحنهم الغلاء حتى باتت لقمة العيش بعيدة المنال.
لقد تحول الفساد إلى وحشٍ يلتهم كل مقومات الحياة، وأصبح الحكام في سباتٍ عميق، كأنهم في عالمٍ آخر، لا يسمعون أنين الجائعين، ولا يرون وجوه الأطفال التي علاها الشحوب، ولا يبالون بصيحات الأمهات اللواتي يصرخن من وطأة الحاجة والعوز.
محافظاتٌ قيل إنها تحررت، لكن أي تحريرٍ هذا الذي لا يأتي معه أدنى مقومات الحياة؟ عدن، التي كانت يومًا جوهرة الجنوب، تغرق اليوم في ظلامٍ دامس، وتواجه أبشع صور العذاب الجماعي في ظل غيابٍ تام للمسؤولين الذين لا يعنيهم سوى مصالحهم الشخصية، تاركين الشعب يواجه مصيره وحيدًا بين فكي الجوع والمعاناة.
كأن لسان حال الشعب يردد بحسرةٍ وألم: ليت البحر يرجع مرقًا والصحراء الكبيرة هريسًا، علّ السارقين الذين نهبوا ثروات البلاد يشبعون ويتوقفون عن سرقة ما تبقى !، في إشارةٍ إلى الطغمة الفاسدة التي لم تترك شيئًا لم تنهبْه، ولم تدخر جهدًا في تحويل هذا البلد إلى بقعةٍ خاوية من أي مقومات للعيش الكريم.
لكن، ورغم كل هذا السواد، يظل الأمل معقودًا على وعي الشعب، فالتاريخ أثبت أن الشعوب لا تموت، وأنها مهما صبرت، فإن للصبر حدودًا؛ اليوم، لم تعد الحقائق مستترة، ولم يعد بالإمكان خداع الناس بالأكاذيب والشعارات الرنانة، فقد بات الجميع يدرك من هو الخائن ومن هو المرتزق، ومن الذي باع الوطن ومن الذي يذود عنه، وبين هذا وذاك، يظل السؤال الأهم: متى ستتحرر البلاد حقًا؟ متى سيستعيد الشعب كرامته المسلوبة؟ ومتى سيحاسب الفاسدون الذين حولوا هذا الوطن إلى جحيمٍ لا يُطاق؟
أسئلةٌ لا تزال تبحث عن إجابات، لكن المؤكد أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وأن الشعوب التي تعاني اليوم، ستنتفض غدًا، لأن الحرية والكرامة ليست هبةً من أحد، بل حقٌ أصيلٌ لكل إنسان.