اعتز بنفسك وترك مهنة التلمع
بقلم: موسى المليكي.
مِن الأشياء السيئة التي نُعيبها على مجتمعاتنا هي ظاهرة تلميع صورة الشخصيات التافهة التي لا تأثير إيجابي لها لا على المجتمع و لا على الشخص الذي يلمع صورتها بمدحها و الدفاع عنها، نعرف كلنا مهنة تلميع الأحذية التي كانت رائجة بشكل كبير في سنوات مضَت في بعض أنحاء العالم، مهنة يقوم بها الفقراء عادةً، يرفضها الكثير مِن الناس بسبب تدني مستواها و بسبب الصورة الكئيبة و المهينة التي يظهر عليها مَن يقوم بها و التي تسرق منه كرامته و عزته، رفض هذه المهنة مفهوم لهذه الأسباب، فمن كانت له كرامة و عزة لن يقبل بخدشها بالإنبطاح أمام الأغنياء لتلميع أحذيتهم و ليظهر في صورة مهينة تملؤها الحقارة و تغشاها المذلة..
لكن ألم يتساءل الناس عن مهنة تلميع صورة شخصيات تتجاوز قذارتها قذارة أحذية الأغنياء؟ إذا كان من يلمِّع أحذية الأغنياء ذليلا مهانا فمن يلمع أشخاص فاسدين حبًّا لهم، إعجابًا بهم، أو بسبب مصلحة أو بسبب قرابة أو حتى دون سبب فهو أكثر ذلًّا و أعمق مهانةً، لا يملك هؤلاء ذرة شرف و لا القليل مِن عزة النفس، و أخص بالذكر هذا الجيل الذي كثيرًا ما يبجل و يقدّس الأشخاص و يُعجَب بمن لا أخلاق و لا مبادئ له، و يشهِّر بشخصيات لا تعطي أي شيء لا له و لا لمجتمعه، تقديس الأشخاص بسبب شهرتهم هو مرض نفسي و عُقَد نفسية دفينة وجب العلاج منها لا التعمّق فيها، فكيف لإنسان ذكي و واعي أن يترك حياته تمضي دون أن يتطور و يتقدم و يحسِّن ظروفه و يدافع بشراسة مقابل ذلك عن مشاهير غرباء و يؤكد بقوة على أنهم ناجحون و رائعون و لا عيوب فيهم؟ ألا يجدر به أن يكون ناجحا و رائعًا هو أيضًا؟ ربما هو معتقد في قرارة نفسه بأنه لا يستحق ذلك، و هذه أيضًا عقدة و مرض..
الإنسان السليم يدرك أن الشخصية الوحيدة التي تستحق التلميع هي شخصيته، بأن يطورها و يُحسِّنها و يربِّيها و يجعلها شخصية قوية بأخلاقها و مبادئها و علمها و سلوكها، و هذا مِن حسن تدبير المرء على نفسه، هذا مِن عزة النفس و تكريمها كما كرّمها الله عز و جل بالخلق ثم بالعقل و الحرية، وجودك على قيد الحياة ليس مِن فراغ، أنت في الحقيقة لستَ هنا لتلميع صورة غيرك، أنت هنا لتلميع صورتك، و لتزكية نفسك، فقد أفلح مَن زكاها..
إعتز بنفسك، انظر إلى أولئك الذين تلمِّع صورتهم على أنهم أحذية، و تخيّل نفسك منبطحًا أمام كل واحد منهم، ثم اشعر في أعماق نفسك بتلك المهانة و الحقارة التي يشعر بها ملمِّع أحذية شاب في مدينة تعج بالأغنياء، قد يدفعك هذا للتفكير بعزة أكبر، و لأن تكون صاحب مبادئ ثابتة تكون نقطة إنطلاقك في رحلة تلميع صورتك و صورة نفسك لتكون أكثر عزة و هيبة و كرامة و معرفة و تأثير، فأنت في النهاية سوف تُحاسب على صورتك و على صورة نفسك لا على صور غيرك مِمّن تقدس، إذن لمِّع صورتك لا صورهم..