خواطر سردية من وحي زيارتي للسعودية (3)

بقلم: منصور بلعيدي_

خدمات الحرم المكي

ما يقرب من 30 مليون معتمر من جميع الدول الإسلامية، كما قال لي صديق مغترب في المملكة. هذا العدد الهائل يتطلب جهوداً كبيرة جداً من القائمين على الحرم المكي. حيث رأيت العساكر وهم ينظمون حركة الدخول إلى الحرم وفي أروقة الحرم المتعددة بلا كلل ولا ملل ولا تجاوزات. أكبرت المملكة على ذلك الجهد الجبار ليل نهار، ورحمت العساكر لما يلاقونه من متاعب في تنظيم شعوب بأكملها، والناس فيهم من هو ضيق الصدر والعنيف والمغرور والعنجهي. فالناس أجناس، لكن لم أر يوماً عسكرياً يتعامل بعنف مع جموع المعتمرين، بل بصبر منقطع النظير. أعملت تفكيري وعصفي الذهني لأقارن بين ما رأيناه من فجور وعصيان لله وحفلات راقصة وخلاعة وما أظهره شاب سعودي من الدوس على المصحف، ومن الجهة الأخرى كل هذه الخدمات الجبارة لبيت الله الحرام ولضيوف الرحمن فيه، فأكبرت المملكة في نفسي وأعرضت عن الخوض في السلبيات لأنها محدودة بالقياس إلى الإيجابيات.

*سرعة تنفيذ المشاريع الإنمائية*

حدثني الصديق العزيز خالد الكباس عن الدور الفاعل لولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله في تسريع إنجاز المشاريع الإنمائية، حين ألزم المكلفين بتنفيذ المشاريع بزمن محدد ومواصفات عالية الجودة وبمعايير دولية. والوَيل لمن يتأخر في التنفيذ. فرأيت جسور (كوبري) باللهجة السعودية تُنفذ في فترة قياسية بعد أن كانت المشاريع تماطل لسنوات للتحايل والكسب غير المشروع. لكن ولي العهد قضى على تلك الظاهرة. كما قام بضبط الإيرادات والمصروفات وكل الأمور المالية تتم بطريقة قانونية عبر البنوك وقضى على عملية التلاعب خارج النظام المصرفي. وهذا لا شك يُحسب له.

*الصلاة بقصار السور حتى في الحرم*

صليت في مساجد بعض حارات مكة فوجدت الأئمة يقرأون في الصلوات إما بقصار السور أو بثلاث آيات في كل ركعة جهرية فقط. فاستغربت كيف لا يقرأون مثلنا بالسور الطوال، خاصة في صلاتي الفجر والمغرب، ونحن (نكعف) المصلين بالسور الطوال حتى تتورم أقدامهم وبالسجود الطويل الذي بسببه يفقد المصلي توازنه وهو ساجد، غير عابئين بمن هو مريض لا يتحمل كل هذه الإطالة في القراءة والسجود. فقلت ساذهب للصلاة في الحرم لأرى ما يقرأون، وحين صليت المغرب مع جموع المصلين صلاة المغرب سمعت الإمام يقرأ بسورة النصر في الركعة الثانية. أي والله، والسجود كان معقولاً. فاستغفرت الله كثيراً على ما تحمَّلته من ذنب في المصلين ورائي.

وقد حدث مثل هذا التنطع في زمن الصحابة. فقد قرأ معاذ بن جبل سورة طويلة في صلاة العشاء، ففارقه أحد المصلين ولما أنكر عليه المصلون مفارقة الإمام، ذهب ليشكو معاذاً إلى الرسول فقال الرسول لمعاذ: "أفتان أنت يا معاذ؟ إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض وذو الحاجة."

خففوا على المصلين يا من تتشددون عليهم، فتتحملوا آثامهم.