ام الدنيا

(أبين الآن) كتب: حسين أحمد الكلدي
أم الدنيا حضن دافئ كبير تجتمع فيه كل الثقافات والجنسيات من كل أرجاء المعمورة، فهي تعد موطن التاريخ والحضارة وموطنًا لمن ضاقت به سبل العيش في موطنه، ومنهلًا لمن أراد البحث عن النجاح في كافة مجالات العلوم والهندسة والإعلام والثقافة والفن... إلخ.
يوم جميل ورائع أن جمعتنا الصدف برجال لهم تواجدهم الدائم في الميادين العلمية والتاريخية والثقافية والأدبية والسياسية، ولهم تأثيرهم في الحياة العامة والاجتماعية. جبرتهم الظروف القاهرة على الرحيل من وطنهم، بالرغم من أن تواجدهم كان ضروريًا فيه ليكونوا في قاعات الجامعات وصروح العلم والمعرفة التي تربوا وترعرعوا في أروقتها. ولهم تواجدهم اليوم، إن كان في جامعات أم الدنيا أو في مراكز أبحاثها، ومتواجدون أيضًا في فضاء التواصل الاجتماعي، فهم نبراس لزرع مفاهيم راقية من المعرفة، وينبوع يتدفق منه الحب والمعرفة، يستقي منه ذوو البحث عن المعارف والعلاء، ويلهموا بتوجيهاتهم من أراد أن يسلك الطريق إلى القمم. وكانت معرفتي بهم من خلال التواصل الاجتماعي، الذي يسبح فيه كافة طبقات المجتمع بكل أطيافه من علماء ودكاترة ومثقفين، ومن هم يسبحون في هذا الفضاء الواسع كلٌّ حسب توجهه، فمنهم من تستروا بأقنعة وأسماء وهمية خوفًا مما تنفثه أقلامهم من سموم ونعرات قبلية وتعصب حزبي، أو سموم يقبضون ثمنها ولا يردعهم في ذلك ضمير أو خوف من الله. ولهذا يتعمدون إفساد جيل المستقبل، الذي لا يعي ما يحوم حوله من خطورة المواد المقروءة أو المسموعة أو أفلام مدسوسة ظاهرها التربية وباطنها غرس العادات والتقاليد التي لا تمت لمجتمعنا بصلة كانت جلسة هادئة بدون موعد وبدون ترتيب لها، وإنما كان يومًا من الفرح والسعادة جمعنا الله فيه لنهنئ العريسين بمناسبة زواجهم الميمون، وبهذا أخذت كاميرات الجميع من هواتفهم بالتقاط الصور التذكارية التي كانت بهذه المناسبة، وكان لنا نصيب في ذلك الكرنفال المبارك، وبحضور نخبة من الشباب الرائعين بهذه المناسبة.كم نكون سعداء عندما نجتمع فوق أرض الكنانة، التي كانت حاضنة للجميع، وهي دومًا حاضنة لأفراحنا وأحزاننا، وحاضنة لنا في تاريخنا الحديث، بعد أن بذلوا الغالي والنفيس معنا في سبيل استعادة الحرية من الكهنوت، وضحوا بأغلى وأفضل رجالها في تلك المرحلة. ولكن كان أجدادنا لهم السبق في زرع الحب والود في ربوعها، ووجدنا بها حدائق غناء دانية مثمرة بالحب والنقاء والأمانة والصدق، وذكرى لتاريخ عاطر كتبوا فيه سطورًا ناصعة من نور، وسطروا فيها ملاحم من البطولة والشجاعة والإقدام وحسن الأخلاق وفن القيادة وقوتها، وظلت ناصعة في قلب التاريخ، حاضرة دومًا وأبدًا إلى يومنا هذا. لقد حملتني الأقدار إلى أرض الكنانة، التي كانت هاجسًا ملازمًا لي عندما كنت شابًا يافعًا، أسمع من مذياعها القرآن الكريم بصوت عملاقها الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، الذي لا زلت أسمعه بصوته الشجي إلى يومنا هذا، والذي يملأ الروح والعقل بآيات من الذكر الحكيم. أتمنى من الله أن يجعلني مستمعًا إلى آخر العمر... كان ممثلوها يتصدرون كافة عروض صالات السينما العالمية والعربية، والفنانين العمالقة مثل أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب، والأمير فريد الأطرش وأخته أسمهان، وكل هؤلاء لا زالت أغانيهم خالدة، تعطي انطباعًا للزمن الجميل الراقي، الذي حمل أرقى طبقات المجتمع الأرستقراطية. ومن مذياعها كانت تبث نشرات الأخبار العربية والعالمية، التي كانت تذاع منها أهم الأخبار، وحفلات الفن والطرب التي ينتظرها المستمعون بفارغ الصبر في كافة برامجها. نحن في سيرة أم الدنيا، أرض الكنانة، التي حملت في أحشائها أرقى طبقات المجتمع من أساتذة وعلماء ومهندسين وفنانين وممثلين، وتعلم على أيديهم جميع طلبة العلم في دول الأمة العربية والإسلامية بدون استثناء... أما أنا، فبالنسبة لي، كانت أولى زياراتي للكنانة عام 2003م، وكان معي جميع أولادي، واستغرقت الرحلة عشرة أيام ما بين القاهرة والإسكندرية، ومن ثم العودة إلى معشوقتي جدة، التي عشت على أرضها منذ عام 1983م، وكل ربوع المملكة العربية السعودية. وكانت زيارتي خاصة للآثار التاريخية العالمية ومسارحها الفنية وحدائقها العامة الجميلة ونهر النيل العظيم والجميل، وعند العودة حملنا في طيات نفوسنا أجمل الذكريات، التي أعادتني إليها من جديد بعد زمن طويل في العام 2018م، وكان ذلك في أيام رمضان المبارك، حيث عشت بين مساجدها وأهلها وشوارعها وأماكن تسوقها أحلى وأجمل اللحظات الروحية. ولذلك حملتني هذه المرة للمجيء إليها وزيارتها من جديد، ووجدت بها من العمل المتواصل ما تراه وتلمسه في كل أرجائها، فقد أُنشئت مدن جديدة وطرق عملاقة ومراكز تسوق وتطور كبير في كل الميادين، والعمل على قدم وساق. أتمنى لهم كل خير...
أتمنى لكم التوفيق، وأتمنى أن تنال إعجابكم.
لكم حبي وتقديري،
٢١/٨/٢٠٢٢