نبي الله موسى: قصة الغفران والرسالة الإلهية

بقلم: منصور بلعيدي_

قصة نبي الله موسى عليه السلام تحمل في طياتها دروساً عظيمة عن التوبة، الغفران، والعدالة الإلهية. في سورة القصص، يروي القرآن الكريم حادثة قتل موسى لرجل قبطي، حيث قال الله تعالى: *"قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"* (القصص: 16). 
هذه الآية تثير تساؤلات عميقة حول كيفية غفران الله لموسى دون رضا المظلوم، وكيف جعله الله من المرسلين رغم هذا الذنب.

*القتل والخطأ البشري*
حادثة قتل موسى عليه السلام كانت نتيجة اندفاع بشري، حيث تدخل موسى لنصرة رجل من بني إسرائيل كان يتعرض للظلم من قبطي. في لحظة غضب، ضرب موسى القبطي فأرداه قتيلاً دون قصد. هذا الفعل جعل موسى يدرك خطأه فوراً، فاعترف بذنبه ولجأ إلى الله بالدعاء قائلاً: *"رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي"* . هذا الاعتراف يعكس وعي موسى بخطورة ما حدث، وندمه الصادق على ما بدر منه.

*الغفران الإلهي: عدالة ورحمة*
غفران الله لموسى عليه السلام دون رضا المظلوم يبرز جانباً من عدالة الله ورحمته. الله سبحانه وتعالى يعلم النوايا والظروف المحيطة بكل فعل. في حالة موسى، كان القتل غير متعمد، وكان دافعه نصرة المظلوم. لذلك، غفر الله له بناءً على صدق توبته وندمه العميق.

أما فيما يتعلق برد المظالم، فإن القاعدة العامة في الإسلام هي أن الذنوب المتعلقة بحقوق البشر لا تُغفر إلا برد الحقوق أو العفو من المظلوم. لكن في حالة موسى، قد يكون الله قد تكفل برد حق المظلوم بطرق لا نعلمها، لأن الله هو العدل المطلق، ولا يظلم أحداً.

*من الذنب إلى الرسالة*
رغم هذا الذنب، اختار الله موسى ليكون من المرسلين. هذا الاختيار يعكس حكمة الله في التعامل مع البشر. التوبة الصادقة والرجوع إلى الله يمكن أن يمحوا الذنوب، ويجعل الإنسان أهلاً لتحمل أعظم المسؤوليات. موسى عليه السلام لم يكن معصوماً من الخطأ، لكنه كان نموذجاً للتوبة الصادقة والعمل الصالح بعد الخطأ.

*الدروس المستفادة*
1. *التوبة الصادقة:* الاعتراف بالذنب واللجوء إلى الله بالدعاء هو أول خطوة نحو الغفران.
2. *عدالة الله ورحمته:* الله يغفر الذنوب بناءً على النوايا والظروف، وهو الأعلم بما في القلوب.
3. *الإصلاح بعد الخطأ:* الخطأ لا يعني نهاية الطريق، بل يمكن أن يكون بداية جديدة مليئة بالعمل الصالح.

*الخلاصة*
قصة موسى عليه السلام تعلمنا أن الله رحيم بعباده، يغفر الذنوب إذا كانت التوبة صادقة. كما أنها تذكرنا بأن الخطأ البشري لا يمنع الإنسان من تحقيق العظمة إذا أخلص النية لله. موسى، رغم ذنبه، أصبح من أعظم المرسلين، مما يعكس أن التوبة والعمل الصالح يمكن أن يغيرا مصير الإنسان. *إنها رسالة أمل لكل من يسعى للتوبة والإصلاح.*