الأفواج الأربعة يوم القيامة: أين نحن منهم؟
بقلم: منصور بلعيدي
في يوم القيامة، اليوم الذي تنكشف فيه الحقائق وتتجلى عدالة الله، يُبعث البشر "أفواجاً" كما أشار الله تعالى في قوله: *"يوم يُنفخ في الصور فتأتون أفواجاً"* (النبأ: 18).
يقدم المفكر الإسلامي علي الكيالي تفسيراً مميزاً حول تقسيم البشر إلى أربعة أفواج يوم القيامة، مما يدعونا إلى التأمل العميق في موقعنا بين هذه الأفواج الأربعة.
*الفوج الأول: المجرمون*
هم الذين قطعوا صلاتهم مع الله ومع الناس، واستسلموا للطاقة السلبية، مما أدى إلى ضعف علاقتهم الروحية مع الله. يُصور الكيالي هذه العلاقة على أنها "حبل من النور"، كلما زادت الطاقات الإيجابية زاد سُمك هذا الحبل، وكلما غلبت السلبية ضعف حتى ينقطع.
هؤلاء يُعرفون يوم القيامة بسمات وجوههم الزرقاء من الرعب، كما قال الله: *"ونحشر المجرمين يومئذ زُرقا"* (طه: 102).
الملائكة تأخذهم من النواصي والأقدام وتخرجهم من المحشر مباشرة إلى النار دون حساب، لأنهم أنكروا الله وأعرضوا عن الإيمان، فلا يُسألون عن ذنوبهم.
قال تعالى: *"ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون"* (القصص: 78). عذابهم مستمر ومتغير بين النار والحميم: *"هذه جهنم التي يُكذب بها المجرمون، يطوفون بينها وبين حميمٍ آن"* (الرحمن: 43-44).
*الفوج الثاني: المتقون (لكن بمشكلة)*
يدخل هذا الفوج الجنة كما جاء في قوله تعالى: *"إن للمتقين مفازاً"* (النبأ: 31). لكن المعضلة التي يشير إليها الكيالي تكمن في أن الله لا يخاطبهم مباشرة، كما وصفهم بقوله: *"لا يملكون منه خطاباً"* . السبب يعود إلى الشرك الخفي الذي أصاب إيمانهم، وهو ليس عبادة الأوثان ولكن الانغماس في الفرق والتحزبات والجماعات والتفرقة الدينية.
قال تعالى: *"وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون"* (يوسف: 106). كما وضح في سورة النور: *"ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً، كل حزب بما لديهم فرحون"* (الروم: 32).
هذه الفرق والمذاهب والاختلافات، التي تؤدي إلى قتال وظلم، تجعل هذا الفوج يدخل الجنة لكن دون أن يحظوا بخطاب الله المباشر.
*الفوج الثالث: المأذون لهم بالكلام*
يسمح الله لهذا الفوج بالكلام يوم القيامة، لكن ذلك مشروط بإذنه. قال تعالى: *"إذن له الرحمن وقال صواباً"* (النبأ: 38).
هؤلاء هم من نالوا التوفيق للتحدث بالحكمة والصدق بعد أن أذن الله لهم بذلك، مما يدل على أن مكانتهم في ميزان الله أفضل من الفوج السابق.
*الفوج الرابع: أصحاب الحضوة الإلهية*
هم أعلى الأفواج مكانة، وأعظمهم حظوة عند الله. هؤلاء هم الذين يدعوهم الله مباشرة إلى جواره. قال تعالى: *"في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر"* (القمر: 55).
هؤلاء وصلوا إلى مقام الصدق والطهارة القلبية، حيث تجاوزوا كل المعوقات والإغراءات الدنيوية ليحققوا القرب الحقيقي من الله.
*أين نحن من هذه الأفواج؟*
السؤال الكبير الذي نطرحه لأنفسنا هو: أين نقف بين هذه الأفواج الأربعة؟
هل نحن من المجرمين الذين قطعوا علاقتهم بالله؟
أم من المتقين الذين تسلل الشرك الخفي إلى قلوبهم؟
أم نسعى لنكون من المأذون لهم بالكلام،
أم أصحاب الحضوة الإلهية؟
كل ذلك يعتمد على أفعالنا وإخلاصنا في هذه الحياة الدنيا.
الآية الكريمة في سورة النبأ تُثير فينا التساؤل عن مكانتنا يوم القيامة، وتدفعنا لمحاسبة أنفسنا. بين المجرمين والمتقين والمأذون لهم بالكلام وأصحاب الحضوة الإلهية، نرى انعكاساً لدرجات الإيمان والعمل الصالح. الاختيار أمامنا، والمسار يتحدد وفق أفعالنا في الدنيا. *لنُجدد حبال النور بيننا وبين الله، لعلنا نصبح من أصحاب الحضوة الإلهية الذين يُدعون إلى جوار ربهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.*