صورة الأب وطفله.. تحكي مأساة شعب كامل

شهدت الأيام الأخيرة انتشار فيديو على بعض مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مؤلم لأب ميت وهو ملقى "مسجّى" على أرض أحد الشوارع بإحدى المحافظات اليمنية بينما كان طفله الصغير جالس بجواره ممسكًا بيده في مشهد يعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني بأكمله في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلد. 
ربما كنت أنا آخر من شاهد هذا الفيديو الذي لم يكن بالنسبة لي مجرد لحظة عابرة وحسب! بل كان بمثابة رسالة إنسانية كان يتمتم بها الأب الميت عن أكثر من ثلاثون مليون، ونداء استغاثة الجوعى الصارخ الذي عكس معاناة المواطن اليمني الذي ضاقت عليه الدنيا بما رحبت.

اليمن التي كانت في يوم من الأيام إحدى الدول "المباركة" والتي كان يأتيها رزقها من كل مكان "آمنة مطمئنة"، صاحبة التاريخ الثقافي والحضاري العريق لتتحول في لحظة وفي غفلة من أهلها إلى ساحة للنزاعات وللحروب الدائمة لأكثر من عشر سنوات (ولازالت الحسابة بتحسب)!!.

الحرب وما الحرب! الحرب هي التي تلتهم أرواح الأبرياء "أحياء واموت" وتدمر المعمار وتحطم الأحلام والرؤى المستقبلية وتتسبب بدمارًا شامل بمختلف جوانب الحياة لتصل الى تضييق العيش على الناس حتى لا يجد شربة ماء.
 من كان يعلم يومًا  أن الإنسان اليمني الذي يقطن ويسكن هذه الرقعة الجغرافية المسماة باليمن أن يموت بسبب الجوع؟!. كل أشكال الموت حاضرة إلا أن يموت جوعًا (كتلك الصورة الغامقة التي أنا بصدد الحديث عنها)، نعم نعم.. الناس في اليمن يموتون جوعًا لأنهم عانوا ويعانون من أوضاع معيشية صعبة ومن اقتصاد هش ومن عملة  متدهورة ومن أمن غائب، ضيق من عيشهم بهذه البلاد، حتى الرواتب "الفتات" مقطوعة إلى شبه معدومة والتعليم كذلك وكل شيء، ونقص بالمواد الأساسية وارتفاع في الأسعار كل ذلك جعل حياة المواطن اليمني في بلده أكثر صعوبة وأكثر تعقيدًا وأكثر نكدًا ومغامرة.

إن ما ظهر في 
الفيديو الأب الميت وطفله ليس إلا تجسيدًا حقيقيًا لحالة ماوصل إليه الناس من الفقر والعجز الاجتماعي وإلى ضبابية المشهد وإلى تردي الحالة وانعدام الأمن وإلى انحدار أدنى مقومات الحياة الأساسية والعيش الكريم ليعيش بكرامة تحفظ له ماء وجه، المتفحص بالفيديو يشهد أن حتى الأطفال 
  لم يعد همهم البحث إلى تحسين مستوياتهم التعليمية بقدر كان يهمهم البحث عن توفير كسرة خبز يسدون به جوعهم وسط هذا العالم والمحيط المضطرب دومًا. 

فيديو لخص وأوجز وحكى وشرح وتحدث عن حالة ملايين الآباء الذين أُهلكت قواهم قسوة الحياة، فالحرب والفقر والبطالة كأن الأب كان يلفظها مع آخر أنفاسه الأخيرة في هذا الشارع حتى يوصلها لمن في أذنه صمم، الفيديو الصادم في الحقيقة بمثابة صورة مصغرة لشعب بأكمله يحيطه البؤس والحرمان لأيام خلت كان فيها معززًا مكرمًا، وما قوم سبأ منا ببعيد!، يموت من الألم يموت من الحسرة يموت كل دقيقة وماهو بميت ومع ذلك لا يجد من يمد له يد العون أو عين الشفقة من أشقائه الذين وعدوه يوما.

لا بد من أن يكون هذا الفيديو الذي  عكس حجم المأساة الإنسانية الكبيرة حتى يصبح "ترند" ونقطة انطلاقة للنداء العالمي لإنقاذ الشعب اليمني، ليصل إلى كل إنسان لديه ضمير حي في كل أصقاع المعمورة ليبين لهم مايعانيه اخوانهم في الإنسانية "الإنسان اليمني" الذي يواجه حربًا (لاحرب ولاسلم) لا ذنب له فيها سوى أنه خرج يهتف (الشعب يريد اسقاط النظام) حتى سقط مغشيا بعد أن خرت قواه من شدة الجوع والعطش.

بالإضافة إلى توجيه  رسالة أخرى للعالم أجمع مفادها ضرورة التضامن مع الشعب اليمني بأسرع وقت ممكن والعمل على إنهاء هذه المعاناة الإنسانية بالطرق المتاحة فكل يوم يمر يموت المزيد من الأبرياء ولا أحد يمكنه أن يظل بعيدًا عن هذا النداء الإنساني أو يهرب أو يتنصل عنه.