عندما يكون الإخلاص سببًا للطرد!

بقلم: صفاء المليح 

قد يبدو الأمر متناقضًا: تعمل بإخلاص، تتفانى، تضع قلبك في كل مهمة، وتظن أن العطاء لا بد أن يقابل بالتقدير. لكنك تُفاجأ أن المكافأة كانت الطرد... لا كلمة شكر، لا نظرة وفاء، فقط قرار بارد يُنهي كل ما بنيته.

هذا المشهد مؤلم، لا شك. ليس لأننا ضعفاء، بل لأننا بشر. نتألم عندما يُقابل الصدق بالجحود، والإخلاص بالنكران. لكن هنا، في هذه اللحظة تحديدًا، نُختبر. ليس في قدرتنا على العمل، بل في قدرتنا على الصبر والثبات.

من زاوية واقعية، قد تكون الأسباب متعددة: بيئة العمل غير صحية، إدارة لا تقدر، أو حتى من يخاف من تميزك ويظن أن فيك تهديدًا. هذا لا ينقص من قدرك، بل ربما هو علامة على أنك كنت بارزًا بما يكفي لتقلقهم.

أما من زاوية إيمانية، فهنا يتجلى معنى قوله تعالى: "إن الله لا يضيع أجر المحسنين". عملك لم يذهب هباء، وإن غابت عنه عدالة البشر، فإن عدالة الله لا تغيب. وربما يكون هذا الطرد بابًا لفرج أكبر، أو حماية من مكان لا يليق بك.

قصة واقعية تلخص المعنى:

أعرف امرأة عملت في مؤسسة لسنوات، كانت أول من يصل وآخر من يغادر. لم تكن تشتكي، بل تحملت الضغط بابتسامة، وكانت تبادر لحل المشكلات حتى دون أن تُطلب منها. الكل كان يشهد بتفانيها، حتى ظنّت أن مكانها في العمل ثابت لا يهتز.

وفي يومٍ عادي، استُدعيت إلى الإدارة، وظنت أن هناك تكريمًا أو ترقية. لكنها خرجت بقرار فصل! بلا مقدمات، بلا سبب واضح، فقط لأن الإدارة أرادت "تغييرًا".

بكت كثيرًا، ليس على الوظيفة، بل على الخذلان. لكن بعد شهور، شاء الله أن تفتح لها أبوابًا لم تكن بالحسبان: مشروع خاص بدأ صغيرًا وكبر، واستقلال جعلها أقوى، وسكينة داخلية ما كانت لتحصل عليها لو بقيت في تلك البيئة.

عادت بعد سنوات، تنظر لما جرى، فتقول: "ما حسبته كسرًا كان بداية شفائي... وما ظننته خذلانًا كان رحمة من الله."

فلا تندم على إخلاصك، ولا تندم على عطائك، إنما راجع نيتك، وقل بقلبك:

"اللهم اجعل عملي خالصًا لوجهك، ولا تجعل حاجتي إلا إليك، وإن ضاق رزقي من باب، فافتح لي من حيث لا أحتسب، وطمئن قلبي أنك لا تضيع أجر من أحسن عملًا."