بين جنيف ومسقط.. هل يعيد التاريخ نفسه ؟
في العام ١٩٩١م وفي التاسع من كانون تحديدا وبالعاصمة السويسرية كان اللقاء الأكثر شهرة وأهمية في القرن العشرين المنصرم والربع الأول من القرن الواحد والعشرين الحالي والذي جمع أشهر وزيري خارجية حينها على المستوى الأممي
وهما :
-طارق عزيز عن العراق
-جيمس بيكر عن الولايات المتحدة
وذلك في ظل أجواء مشحونة وحشود عسكرية أمريكية غربية إلى الجزيرة والخليج العربي وكذلك البحرين الأحمر والمتوسط في استعدادات غير مسبوقة لضرب العراق بذريعة تحرير الكويت .
وكالعادة كان لا بد من أدوار للديبلومسية ضمن طاولة مفاوضات تجمع دواهي الأطراف المعنية وتستضيفها عاصمة ذات رمزية متفردة دوليا ومشتهرة بلقاءات أممية تحلحل خلالها مشكلات العالم وتصاغ بها قوانين البشرية وتوقع فيها المواثيق والمعاهدات الدولية فكانت (جنيف) هي تلك العاصمة وكان الداهيتان هما عزيز وبيكر ..
وبمناسبة لقاء مسقط بين تاجري السوق المختصمين فإنه يجب التأكيد هنا بأن التاريخ لن يكرر نفسه !
فمسقط ليست جنيف !
والإيراني ليس طارقا العراقي !
والممثل الأمريكي عبارة عن كسر اعتيادي وليس ضمن الأعداد الصحيحة التي ينتمي إليها بيكر !
أما المشكلة موضوع اللقاء فأشبه بمشكلة تاجرين في سوق يراها أحدهما سوق (نخاسة) بينما الآخر يراها سوق (تنخيس) ! وفي هذه الحالة يتكفل سماسرة السوق بجر الطرفين المختصمين إلى حانة بعيدة عن الأنظار يتم فيها تناول الشراب وتمايل القدود ومن ثم تقاسم الريع وتحديد المساحات .
أما بالنسبة للقاء جنيف بين عزيز وبيكر فتجدر الإشارة إلى أنه كان من المقررا له من قبل الأمريكان زمنا لا يتجاوز الساعة والنصف لكنه امتد إلى سبع ساعات ونصف الساعة .
بدأ اللقاء بمصافحة الوزيرين والتي وقف فيها بيكر بينما بقي عزيز جالسا ثم قدم بيكر خطابا من بوش الأب طالبا من عزيز إيصاله للرئيس صدام
أجاب عزيز :
لا يمكن أن أحمل هذا الخطاب إلى رئيسي إلا بعد الاطلاع عليه .
ومن ثم فتح المظروف واطلع على محتوى الرسالة .
فإذا بعبارات التلويح والتهديد بالحرب تفوح من خلال الخطاب .
فطواه عزيز وأعاده إلى المظروف مزيحا إياه إلى بيكر قائلا له :
لا يمكنني أن أقبل هذا الخطاب فضلا عن أن أحمله إلى رئيسي !
لأن اللهجة التي كتب بها ليست مما يمكن أن يستعمل في توجيه خطاب من رئيس دولة إلى رئيس دولة آخر !
بدوره بيكر ترك الخطاب مطروحا على المائدة ليجده موظفو الفندق في القاعة بعد انتهاء الاجتماعات .
ولأن عليه مكتوبا اسم الرئيس صدام حسين أخذوه بسرعة إلى الوفد العراقي الذي رفض تسلمه ونصح بإعادته إلى الوفد الأمريكي والذين بدورهم رفضوه ليستقر الخطاب فى النهاية في خزانة الفندق تحت بند :
«متعلقات نزلاء تعاد إليهم حين الطلب» !
وكان مما قاله بيكر :
ألم تكذبوا على مبارك رئيس مصر ؟
رد عزيز :
نفهم من سياستكم كما نراها الآن أنكم تمارسون معنا بالضبط نفس ما فعلتموه في العام ١٩٦٧م مع الرئيس ناصر ؟ !
رد بيكر :
لست خبيراً بحرب 1967م وأشار إلى
دينس روس أحد مستشاريه والذي أجاب متلعثما ولمدة ١٥ دقيقة وهو يحاول ترقيع إجابة مقبولة عن الموقف الأمريكي إبان حرب ١٩٦٧م .
انتهى اللقاء بعد أن طال أكثر مما هو متوقع بكثير .
وعقد الوزيران مؤتمراً صحفياً غير مشترك . أهم ما قاله بيكر :
اجتمعنا اليوم بقصد الاتصال .
أما أهم ما قاله عزيز فكان : نعم
كإجابة على سؤال: هل أنتم مستعدون للحرب في حال نشوبها ؟
وبعد ذلك اللقاء دُشنت الحرب على العراق في العام ١٩٩١م وتلى تلك الحرب حصارا قاسيا وحضر طيران وحرب ثعلب الصحراء لتتوج تلك الحرب الأولى وذلك الحصار القاسي بغزو شامل للعراق في العام ٢٠٠٣م ومن ثم تحت إشراف بوش وبريمر تم تسليم العراق مناصفة بين إيران والكيان الصهيوني مع عزله عن العرب وعزل العرب عنه .
يبقى السؤال :
أكوووو عرب ؟ !