الإيمان عقد ميثاق بين العبد وربِّه ( 3 ) 

بقلم: عبدالله محمد الجفري 
كثيرون منا مؤمنون بالله تعالى بالوراثة , أو بولادتهم في بلاد مسلمة , وهو إسلام بالتقليد والاتباع البليد , تماماً كما نجد اليهود والنصارى وعبدة المخلوقات يؤمنون بدين البلاد التي يولدون فيها . وبالتالي فلا ميزة ولا فخر للمسلم على الكافر, إذا التقينا وإياهم . لأن الكافر سيقول : لا تفخر عليَّ عبدنا أنا وأنت ما وجدناه في دين آبائنا , فلا ميزة لك ولا فخر ولو أني أنا الذي لدت في بلادك لكنتُ مسلماً وكنتَ أنت الكافر . فلم تأخذ عقيدتك عن علم ودليل وبرهان ولا أخذته عن تفكر في ملكوت الله وآياته , كما دعاك الله تعالى في القرآن الكريم . فقال :{{ إن في خلق السموات والأرض لآيات لأولي الألباب }} وقال :{{ لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }} وقال تعالى :{{ وفي الأرض قطع متجاورات وجناتٍ من أعنابٍ وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماٍ واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك آياتٌ لقومٍ يعقلون }} وفي جدل القرآن مع اعتقادات الكافرين في دياناتهم قال تعالى :{{ وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }} .
وهم محقون لأننا لا نأخذ عقيدتنا إلا تقليداً لآبائنا , وقد نهى العلماء عن ذلك , لأن كل فرد من الناس قادر على إدراك الحق وقادر على أخذ عقيدته عن علم ودليل وبرهان وتدبر . يقول اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة صفحة 32 :" فإنّ أوجب ما على المرء : معرفة اعتقاد الدين , وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته , وتصديق رسله بالدلائل واليقين , والتوصّل إلى طرقها , والاستدلال عليها بالحجج والبراهين " 
وحاء في تفسير القرطبي 1 / 212 عن ابن عطية :" أجمعت الأمّة على إبطال التقليد في العقائد " وقال القرطبي :" ذكر خلافه القاضي أبوبكر بن العربي وأبو عمر بن عثمان بن عيسى بن درباس الشافعي . قال ابن درباس الشافعي في كتابه " الانتصار " : قال بعض الناس يجوز التقليد في أمر التوحيد " وعلّق عليه القرطبي قال :" وهو خطأ . لقوله تعالى :{{ إنا وجدنا آباءنا على ملة وإنّا على آثارهم مقتدون }} فذمهم بتقليدهم آبائهم وتركهم إتباع الرسل , كصنيع أهل الأهواء وتركهم إتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – على دينه . لأنّه فرض على كل مكلف تعلم أمر التوحيد والقطع به " 
وقال الآمدي في الأحكام 1 / 280 :" إن التوحيد لا يجوز فيه تقليد العامي للعالم , وإنّما إلى أدلة يشترك فيها الكل , وهي أدلة العقل , بخلاف الأحكام الشرعية فإنّه على العامي الأخذ بقول العالم فيها " وقال عالمٌ معاصر : دراسة علم التوحيد فرض عين على كل مسلم ومسلمة . 
وبما أن بلاد الإسلام كثيرة وعقائدها مختلفة , وكل طائفة تكفر الأخرى , فقد وجب على كل مسلم أن يتحقق من عقيدته , وأن يتفكر في دينه , وأن يأخذ عقيدته عن درس وتحري وتمحيص وتحقق . لأن أهل كل فرقة وبلد , يرون أنهم وحدهم على الحق , وأنهم الفرقة الناجية وغيرهم في النار يزكوا أنفسهم وهم منهيون عن التزكية قال تعالى {{ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى }} . ومع عصيانهم لله بالتزكية يعصونه بفرحهم  بحكمهم على غيرهم من المسلمين أنهم من أهل النار , كأنهم خدم الشيطان لا عباد الرحمن . فكل من يفرح بدخول الناس النار سواء كان الإنسان هذا كافراً أو مسلماً  فهو من خدم الشيطان , وأنصاره . لا من عباد الرحمن وأنصاره .لأن الكافر تجب دعوته للإسلام  والصبر في الدعوة عليه وتحمل أذاه , أما المسلم فقد حرَّم الله قتله قال تعالى :{{ ومن قتل مؤمناً متعمِّدا فجزاءه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً أليماً }}  إذن يجب أن يأخذ كل مسلم عقيدته عن معرفة وعلم وبرهان . لماذا ؟ لأن المؤمن عن علم ومعرفة , يعرف الله تعالى حق معرفته , ويعرف دينه الحقَّ , ومن عرف الدين الحقِّ عرف أي  فرق الإسلام واي بلاده هم الذين على دين الله الحقّ . قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه : اعرف الحقَّ تعرف رجاله . 
وإذا البيئة والبلد التي تولد فيها , تشكل خطورة على عقيدة المسلم , وقد تؤدي به إلى الكفر , فإن خطورتها تزداد كثيراً إذا اتبع الناسُ فيها منهج الكافرين , وهو منهج عدم السماع من الناصحين والمخلصين الذين يدعونهم للتفكر في ما ورثوه واعتقدوه من دين آبائهم . فيكونوا  كقوم نوحٍ عليه السلام القائل {{ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم واصروا واستكبروا استكبارا }} إن منهج المؤمنين هو السماع وترك العناد والاستكبار والتعصب لدين آبائهم , فيصيروا بهذا المنهج أضل من الحيوانات لأنهم لم ينتفعوا بما أعطاهم الله من سمع وبصر وفؤاد فيدخلوا جهنم قال تعالى :{{ ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون }} . اليوم كثير منا يدعي أنه على السنة وهو لا يعرف السنة النبوية الحقة , بل كل علمه ودينه يأخذه مما سمعه من الناس في صغره كبر فظنه الدين والسنة . ولا يعرف الله تعالى ولا يعرف ما يحبه الله وما يريده من عباده المؤمنين , لذا فإن أول بند من بنود الميثاق مع الله تعالى هو أن تعرفه حق معرفته لكي لا تضل عن هداه ومنهجه وشرعه . ولا تغتر بالصلاة ومعرفة الوضوء والصيام , كل فرق الإسلام في العالم يفعلون ذلك  حتى مشركو قريش أهل الكتاب لهم صلاتهم وصيامهم وهم عند الله من الكافرين . وسنتعرف في المنشور القادم سنة من السنن الإلهية التي يتحقق الله بها من إيمان العبد فيمحصه تمحيصاً .