لا حكومة تُنقذ ولا تحالف يُبالي
بينما تمضي الأزمات في تفتيت ما تبقى من صبر المواطن الجنوبي، تتعالى الأصوات من ساحات عدن وغيرها، لا تطلب امتيازات ، بل تطالب بابسط مقومات الحياة ، كهرباء، ماء، تعليم، صحة، وراتب يحفظ كرامة الإنسان ، ومع كل نداء يعلو تتبدى المفارقة المؤلمة ،من يديرون المشهد عاجزون، ومن يملكون القرار لا يُبالون . تتحدث الحكومة عن البند السابع، ويصمت التحالف أمام الانهيار، فيما يدفع المواطن وحده الثمن.
لا حكومة تُنقذ ولا تحالف يُبالي، جملة لم تعد مجازاً، بل واقعاً يتجرعه الجنوبيون يومياً ، فبينما ركز التحالف العربي منذ عشر سنوات على الملف العسكري والأمني، تنصل بالكامل من الجوانب الإنسانية والخدمية، وكأن استقرار الأوطان يُبنى بالبندقية فقط ، نعم الجنوب مليء بالتشكيلات الأمنية وكلها جنوبية الانتماء، لكنها دون صلاحيات حقيقية تُعنى بمعيشة الناس، وكأن وجودها يقتصر فقط على الضبط والسيطرة لا البناء والتنمية.
الحكومة الشرعية من جهتها ما تزال تبرر فشلها بعدم تصدير النفط والغاز، وتستند إلى كون اليمن تحت البند السابع وكأن هذا البند هو شماعة أبدية لتبرير الانهيار ، لكنها في الوقت ذاته لم تتخذ أي خطوات فعلية للبحث عن بدائل أو الضغط من أجل حلول، بل تركت المواطن يواجه مصيره وحده أمام موجة غلاء متسارعة وانهيار متواصل في قيمة الريال اليمني.
اللوم لا يقع على الخارج فقط، بل على القيادة الجنوبية أيضاً، التي ارتضت دور المنفذ دون أن تكون شريكاً فاعلاً. تنفذ ما يُطلب منها من قبل التحالف، لكنها لا تفرض عليه ما يحتاجه الشعب ، لا تطالب برواتب، ولا بخدمات، ولا حتى بحقوق الناس الذين حملوها أمانة تمثيلهم.
إن حالة الانهيار الخدمي والمعيشي في الجنوب، في ظل هذا الصمت المحلي والإقليمي، لا تبشر إلا بما هو أسوأ، ما لم يكن هناك تحرك فوري وحقيقي ، الشعب الجنوبي لم يخرج لأجل شعارات، بل من أجل حياة كريمة، وهو يدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أن بقاء الوضع على ما هو عليه يعني تفكك المجتمع، وتفشي الأزمات، وضياع ما تبقى من حلم الدولة.
وعليه فإن مسؤولية الإنقاذ لا تقتصر على طرف بعينه ، على التحالف أن يتحمل مسؤوليته كاملة، فالشراكة لا تعني الدعم العسكري فقط، بل تفرض عليه التزاماً أخلاقياً وإنسانياً تجاه حياة الناس ،وعلى الحكومة أن تدرك أن الوقت لم يعد يسمح بالتبريرات، وأن عليها أن تتحرك فعلياً لا أن تتوارى خلف الاجتماعات والبيانات. أما القيادة الجنوبية فقد آن الأوان لأن تتحرر من قيود التبعية، وأن تعيد ترتيب أولوياتها وفق ما يريده الناس لا ما يُملى عليها من الخارج ، ويبقى على الشعب أن يواصل صوته وضغطه، لا بالصراخ فحسب، بل بالوعي والتنظيم، لأن ما لم يُنتزع بالإرادة، لن يُمنح بالمجاملات.
فالسكوت اليوم ليس حياداً، بل قبول بانهيار كامل وانسحاب من واجب الدفاع عن الحق في الحياة.