طريق الموت.. كيف أطفأت الحملة الأمنية في الصبيحة نيران الدم وقطعت شرايين الفوضى؟ 

في حين كانت القوافل تنهب على قارعة الطريق، والدماء تراق بلا سبب، والأمهات يودعن أبناءهن على أمل هش بالعودة، كانت الصبيحة تغرق في فوضى دامية، صنعتها أيد مارقة، ومهدت لها سنوات من الإهمال والتجاهل،على امتداد الطريق الرابط بين طور الباحة وتعز، والمعروف شعبياً بـطريق الموت، سالت دماء الأبرياء، وتقطعت أوصال العابرين، وتحولت الرحلات اليومية إلى مغامرات محفوفة بالموت في كل منعطف.

لكن تاريخ هذه المأساة لم يكن قدريا، فقد شاءت الإرادة الأمنية، ممثلة بالعميدين حمدي شكري وبشير المضربي، وتحت إشراف مباشر من الفريق الركن محمود أحمد سالم الصبيحي مستشار مجلس القيادة للدفاع والأمن، وبمتابعة حثيثة من محافظ محافظة لحج اللواء الركن أحمد عبدالله التركي، أن تكتب نهاية لهذا الفصل الأسود، وأن تعيد الطريق إلى وظيفته الأولى، جسرًا للحياة، لا منصة للموت.

منذ العام 2015م وحتى منتصف 2022م، عاش سكان المناطق الممتدة بين طور الباحة وتعز، وكذا المسافرون عبرها، في كابوس لا ينتهي، فكل رحلة كانت بمثابة مقامرة بالحياة، قطاع طرق، نقاط تفتيش وهمية، مسلحون مجهولون، كمائن دموية، وجرائم قتل وسلب ونهب...كل ذلك كان العنوان العريض لهذا الطريق الذي لم يعرف الطمأنينة لسنوات.

في يناير 2015م، سجلت أولى الحوادث الدموية البارزة بمقتل سائق شاحنة في كمين مسلح؛ تبع ذلك في مارس من نفس العام تقطع لقافلة إغاثية كانت في طريقها لتعز، ونهب محتوياتها، لم تكن تلك سوى مقدمة لسلسلة طويلة من الجرائم المروعة التي طالت المدنيين، الإغاثيين، الأطفال، وحتى الأطباء والعائدين من المهجر.

في يوليو من العام ذاته، شهد الطريق واحدة من أفظع الجرائم؛ قتل جماعي لأسرة من خمسة أفراد أثناء محاولتهم النزوح من تعز إلى عدن، في مشهد لا يمكن أن يمحى من ذاكرة الناجين.

ما بين 2015م و 2022م، زهقت أرواح العشرات، واستبيحت كرامة المئات، وتحولت الطريق إلى مصدر رعب دائم، شاحنات مساعدات إنسانية نهبت، ناشطون حقوقيون جرى اغتيالهم، عائلات أوقفت تحت التهديد ونهبت ممتلكاتها، أطفال سقطوا برصاص العصابات، وأطباء قتلوا بلا ذنب سوى أنهم اختاروا هذا الطريق.

عام 2021م وحده، كان شاهداً على جريمتين هزتا الضمير العام، مقتل الشاب عبد الملك السنباني، العائد من الولايات المتحدة، والذي اختطف وقتل بطريقة بشعة، ثم مقتل الطبيب عاطف الحرازي، الذي كان يحمل حقيبته الطبية حين أردي قتيلاً على ذات الطريق. 

في خضم هذا الواقع الأسود، ومع ازدياد المطالب الشعبية بإعادة هيبة الدولة وإنهاء مظاهر الانفلات، انطلقت الحملة الأمنية بقيادة العميد حمدي شكري والعميد بشير المضربي، لم تكن هذه الحملة كباقي المحاولات السابقة، بل كانت مدروسة، صارمة، وذات غطاء سياسي وأمني رفيع، ما منحها القوة والشرعية لتنفيذ مهامها دون تردد أو خوف.

تحت إشراف الفريق الركن محمود الصبيحي، ومتابعة مباشرة من اللواء أحمد عبد الله التركي، بدأت وحدات الحملة بالانتشار في النقاط الساخنة، وتفكيك العصابات، وملاحقة المتقطعين، وفرض النظام في كل شبر من الطريق.  

ما أن مضت أشهر قليلة على انطلاق الحملة، حتى بدأت ملامح التغيير تتشكل، الطريق الذي كان يعرف بـطريق الموت، بات يشهد حركة طبيعية للمسافرين، دون خوف أو تردد، حالات التقطع والقتل تراجعت إلى الصفر، وتم تفكيك عدد كبير من العصابات الإجرامية، وضبطت كميات ضخمة من الممنوعات التي كانت تهرب عبر الطريق.

لكن الأثر الأعمق للحملة لم يكن أمنيا فحسب، بل اجتماعيا أيضا. فلأول مرة منذ سنوات، شهدت الصبيحة جهودًا حقيقية لحل قضايا الثأر بين القبائل، وتهدئة النزاعات المزمنة، التي كانت تستغل من قبل بعض العصابات لتمرير أجنداتها.

لمن يحاولون اليوم التشكيك في أهداف الحملة أو النيل من قادتها، لا بد أن تعودوا قليلًا إلى الوراء، وتقرؤوا سجل الدم الطويل الذي فاض على هذا الطريق، تذكروا أسماء الضحايا، والدموع التي انهمرت، والجثث التي تكدست على الإسفلت، اسألوا الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن، والآباء الذين دفنوا أولادهم بأيديهم، والنازحين الذين لم يبلغوا بر الأمان.

من يناير 2015م وحتى منتصف 2022م، لا يكاد يمضي شهر دون أن يسجل حادث تقطع، أو جريمة قتل، أو عملية نهب مترافقة مع عنف مسلح؛ تلك كانت سنوات الغياب، سنوات الغدر، وسنوات الوجع. 

إن ما تحقق في الصبيحة كان استعادة لحق الإنسان في الحياة، في المرور، في الطمأنينة، والفضل في ذلك  بعد الله  يعود إلى رجال صدقوا ما عاهدوا عليه، وأنقذوا شعباً بأكمله من براثن الفوضى.

إن الحملة الأمنية التي قادها العميد حمدي شكري والعميد بشير المضربي، ليست فقط صفحة مشرقة في سجل الأمن، بل هي شاهد حي على أن الدولة حينما تقرر أن تكون، فإنها تكون.

فليحفظ الله الصبيحة...  
وليرحم الله من سقطوا على الطريق وهم يحلمون بغد آمن لم يأت بعد.